الثالث : هو أن الآية إنما وردت لتقريعهم ، وزجرهم عن الغلو فى اعتقادهم حيث قال : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) (١). فلو أراد بالكلمة ما اعتقدوه ؛ لكان مثبتا [لعين] (٢) ما قصد التقريع على اعتقاده ؛ وهو ممتنع.
وأما قوله ـ تعالى ـ : (فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا). فلا يمكن حمل الروح على ما اتحد بالمسيح من الكلمة ؛ إذ الروح عندهم هى الحياة ، وهى غير متحدة بالمسيح
وإنما (٣) المتحد به العلم ، وهو الكلمة ، فلا بد من حمله على ما يحتمله اللفظ ، والروح قد يطلق على جبريل : كقوله ـ تعالى ـ : (وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) (٤)
وقد يطلق بمعنى الوحى : ومنه قوله ـ تعالى ـ : (أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) (٥) وقد يطلق بمعنى روح الشخص.
وعند ذلك : فيمكن (٦) أن (٦) يكون المراد بقوله (٧) : (فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا) : (٨) أى روحه ، وأضافها إليه (٨) تشريفا ، وتكريما على ما سبق.
ويمكن أن يكون المراد بقوله (فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا) : أى من جبريل. فإن نفخته فيه سبب علوقه من غير والد.
وأما ما احتجوا به على جواز إطلاق اسم الأب على الله ـ تعالى ـ والابن على المسيح : فهو إن صح فمما يتعذر حمله على الابن المتولد من الله ـ تعالى ـ إذ المسيح غير متولد من الله ـ تعالى ـ بالاتفاق.
وعند ذلك فلا بد من التأويل
أما قوله : «إنك أنت الابن الوحيد» فيحتمل أنه أراد به المعتنى بتربيته ، واصطفائه. تعبرة باسم النبوة عنه ؛ لكونه لازما لها فى الغالب.
__________________
(١) سورة النساء ٤ / ١٧١.
(٢) فى أ (لغير).
(٣) فى ب (وأما).
(٤) سورة البقرة ٢ / ٨٧.
(٥) سورة الشورى ٤٢ / ٥٢ (وكذلك أوحينا.
(٦) فى ب (فيمكن حمله على أن).
(٧) فى ب (منه).
(٨) فى ب (وأضافه إلى نفسه).