«المسألة العاشرة»
فى امتناع اتصاف الرب تعالى بالعجز
وهذه المسألة أيضا مما لا نعرف فيها خلافا بين العقلاء. غير أن العادة جارية بالدلالة عليها.
والمعتمد فى ذلك أن يقال :
لو اتصف الرب ـ تعالى ـ بالعجز لم يخل : إما أن يكون حادثا ، أو قديما.
لا جائز أن يكون حادثا : وإلا كان الرب ـ تعالى ـ محلا للحوادث ؛ وهو ممتنع.
ولا جائز أن يكون قديما : لأنا لا نعنى بالعجز المنفى غير صفة مضادة خاصة للقدرة ، مقتضاها امتناع وقوع الفعل الممكن بالقدرة ؛ ولهذا لا يوصف الإنسان ولا البارى ـ تعالى ـ بكونه عاجزا عن الجمع بين الضدين ، وجعل الواحد أكثر من الاثنين ؛ لكونه غير ممكن ، والفعل فى الأزل غير ممكن ؛ كما يأتى تحقيقه فى مسألة حدوث العالم (١) ؛ فلا يتحقق عجز البارى ـ تعالى ـ بالنسبة إليه.
وإذا بطل أن يكون قديما ، وحادثا ؛ بطل اتصاف البارى ـ تعالى ـ به ، ويعضد هذه الدلالة انعقاد إجماع الأمة على امتناع اتصاف الرب ـ تعالى ـ بالعجز قديما ، وحادثا.
فإن قيل : سلمنا الحصر ؛ ولكن لم قلتم بامتناع كون العجز حادثا؟
قولكم : يلزم أن تكون ذات البارى ـ تعالى ـ محلا للحوادث. إنما يلزم ذلك أن لو كان العجز صفة وجودية ، وأما إذا كان صفة سلبية ؛ فلا مانع من اتصاف الرب ـ تعالى ـ به بعد أن لم يكن متصفا به ، بدليل أن الرب ـ تعالى ـ موصوف فى الأزل بكونه عالما بأن العالم سيوجد فى وقت حدوثه ، وأنه قادر على إيجاده فى وقت حدوثه ، ومريد له. وبعد حدوثه لم يبق متصفا بأنه عالم بأنه سيوجد ، ولا قادر على إيجاده ، ولا مريد لإيجاده.
سلمنا أنه صفة وجودية ؛ ولكن ما المانع من كونه قديما؟ وما ذكرتموه فهو لازم عليكم فى اتصاف الرب ـ تعالى ـ بالقدرة فى الأزل ، مع امتناع وجود الفعل فى الأزل ، وكما أنه لا يوصف الفاعل بالعجز عن الممتنع ، لا يوصف بكونه قادرا على الممتنع.
__________________
(١) انظر ما سيأتى فى الجزء الثانى ـ الأصل الرابع فى حدوث العالم ل ٨٢ / ب وما بعدها.