وإن كان الثالث : فهو ممتنع لوجهين : استدلالا ، وإلزاما.
أما الاستدلال : فهو أن وجوب الوجود : إما أن يكون واجبا ، أو ممكنا. لا جائز أن يقال بالأول : وإلا لما كانت صفة مفتقرة إلى الذات.
وإن كان الثانى : فما وصف به. وقيل إنه واجب الوجود باعتباره أولى أن يكون ممكنا.
وأما الإلزام :
فهو أن مذهب الفلاسفة ، أنه لا صفة وجودية تزيد على ذات الرب ـ تعالى ـ ولو كان وجوب الوجود صفة وجودية زائدة على ذات الرب ـ تعالى ـ ؛ لكان مناقضا لمذهبهم.
وربما قيل فى بيان كونه وجوديا وجوها أخر باطلة ، آثرنا الإعراض عن ذكرها. وعلى (١) هذا : فقد بطل القول بالوجه الثانى ؛ فإنه إذا كان حاصل الوجوب يرجع إلى صفة سلب ؛ فلا يوجب ذلك التركيب فى ذات واجب الوجود ، وإلا لما وجد بسيط أصلا ، فإنه ما من بسيط إلا ويتصف بسلب غيره عنه. وإن سلمنا أن وجوب الوجود وصف وجودى ، ولكن ما ذكرتموه من لزوم التركيب فهو لازم. وإن كان واجب الوجود واحدا من حيث أن مسمى واجب الوجود مركب من الذات المتصفة بالوجوب ، ومن الوجوب الذاتى. فما هو العذر عنه مع اتحاد واجب الوجود ؛ فهو العذر مع تعدده (٢).
وربما قيل عليه أسئلة أخرى لم نذكرها ؛ لضعفها ، وسهولة التقصى عنها.
المسلك الثانى :
وهو ما ذهب إليه الأستاذ أبو بكر ، وجماعة من المعتزلة ، وهو أن قالوا : الطريق إلى معرفة وجود الإله ـ تعالى ـ ليس إلا وجود الحادثات ؛ لضرورة افتقارها إلى مرجع تنتهى إليه ، وهى لا تدل على أكثر من واحد.
__________________
(١) نقل ابن تيمية فى كتابه (درء التعارض ٤ / ٢٥١) من أول قول الآمدي «وعلى هذا. إلى قوله فهو العذر مع تعدده» بعد النقل السابق مباشرة ثم علق على النقلين وناقشهما فى ص ٢٥١ وما بعدها بالتفصيل.
(٢) انظر المغنى للقاضى عبد الجبار ٤ / ٣٢٤ وما بعدها ، ونهاية الأقدام للشهرستانى ص ٩٦ وما بعدها.