أولا؟» (١).
أقول : إنّ تمني الرؤية والإبصار بغير المقابلة والجهة مع تحققها بالعيون والأبصار ، أشبه بتمني وجود الشيء مع التأكيد على عدمه ، وهذا نظير أن يقال حقيقة المربع عبارة عن وجود أضلاع متصلة ، فهل يمكن أن تتحقق تلك الهيئة بدون الأضلاع (٢).
ومن أمعن النظر في كتب الأشاعرة خصوصا القدامى منهم ، وبالأخص كتب أهل الحديث ، والحنابلة ، يرى أنهم يفرون من هذه المحاولات ولا يرون لها قيمة في أوساطهم ، وهم يتمسكون بالروايات وما استظهروه من الآيات ويحكمون بالرؤية الحقيقية كرؤية القمر.
قال الشيخ الأشعري في الإبانة : «وندين بأنّ الله تعالى يرى في الآخرة بالأبصار كما يرى القمر ليلة البدر ، يراه المؤمنون كما جاءت الروايات عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله)» (٣).
وقال في اللمع : «إن قال قائل : لم قلتم إنّ رؤية الله بالأبصار جائزة من باب القياس. قيل له : قلنا ذلك لأنّ ما لا يجوز أن يوصف به الله تعالى ويستحيل عليه ، لا يلزم في القول بجواز الرؤية» (٤).
__________________
(١) شرح التجريد للقوشجي ، ص ٤٢٨.
(٢) وقد جمع الأستاذ حفظه الله مجلس مع بعض فضلاء الشام فانجرّ البحث إلى إمكان الرؤية فقال الشيخ الأستاذ : إنّ تجويز الرؤية يستلزم تجويز المقابلة والجهة. فقال الشامي : كل شيء في الآخرة غيره في الدنيا. فأجابه : ما ذا تريد من كلامك «كل شيء في الآخرة غيره في الدنيا» ، فهل تريد أن الأشياء الدنيوية توجد في الآخرة بوجودات كاملة ، فهذا ما نعترف به. وإن أردت أنّ الأشياء الأخروية تضاد ماهياتها وحدودها ، الموجود في الدنيا ، فهذا مما لا يمكن التصديق به. فإنّ نتيجة ضرب اثنين في اثنين هو أربعة لا خمسة ، ولا يمكن تكذيب هذه القضية بحجة أنّ كل شيء في الآخرة غيره في الدنيا. فإنّ هناك قضايا قطعية وعلوما ضرورية صادقة في النشأتين من دون أن يختص امكانها بواحدة منهما. فالدور والتسلسل محالان في الدنيا والآخرة ، وقاعدة كل ممكن يحتاج إلى علّة صادقة في كلتا النشأتين فالتمسك بهذا الكلام نوع فرار من البحث والتحقيق.
(٣) الابانة ، ص ٢١.
(٤) اللمع ، ص ٦١ بتلخيص.