جانبهم ، لم يوجّه إلى الكليم من جانبه سبحانه أي لوم وعتاب أو مؤاخذة وعذاب ، بل اكتفى تعالى بقوله :
(لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي). فلا يكون السؤال دليلا على إمكان الرؤية
وبعبارة أخرى : إنّ موسى كان من أعلم الناس بالله وصفاته وما يجوز عليه وما لا يجوز ، ولكن ما كان طلب الرؤية إلا لتبكيت هؤلاء الذين دعاهم «سفهاء» وتبرأ من فعلهم. فبما أنهم لجّوا وتمادوا وقالوا بأنهم لا يؤمنون له حتى يسمعوا النص من عند الله باستحالة ذلك ، وهو قوله : (لَنْ تَرانِي) فطلب موسى الرؤية ليتيقنوا ويزول ما دخلهم من الشبهة ، فلأجل ذلك قال : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) ولم يقل ربّ أرهم ينظروا إليك.
والعجب أنّ الآية على خلاف مطلوب الأشاعرة أدلّ ، فإنه سبحانه رد طلب الكليم بقوله : «لن تراني» و «لن» للتأبيد ، كقوله : (لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) (١).
وهاهنا نكتة ينبغي التنبيه عليها وهي أنّ الميقات الوارد في قوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) (٢) ، نفس الميقات الوارد في قوله سبحانه : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا) (٣). ولم يكن لموسى مع قومه إلا ميقات واحد وقد وقعت الحادثتان فيه في ظرف واحد ، غير أن سؤال قومه رؤية الله كان قبل سؤال موسى الرؤية لنفسه.
الوجه الثّاني
إنه تعالى علق الرؤية على استقرار الجبل ، وهو أمر ممكن في نفسه ، والمعلّق على الممكن ، ممكن.
__________________
(١) سورة الحج : الآية ٧٣.
(٢) سورة الأعراف : الآية ١٤٣.
(٣) سورة الأعراف : الآية ١٥٥.