بقي هنا نكتتان هامتان يجب التنبيه عليهما :
الأولى : قد عرفت عناية النبي وأئمة أهل البيت (عليهمالسلام) بالإيمان بالقدر ، وأنّ المؤمن لا يكون مؤمنا إلا بالإيمان به ، فما وجه هذه العناية؟.
والجواب : إنّ التقدير والقضاء العينيين من شعب الخلقة ، وقد عرفت أنّ من مراتب التوحيد ، التوحيد في الخالقية وأنه ليس على صفحة الوجود خالق مستقل سواه. ولو وصفت بعض الأشياء بالخالقية ، فإنما هي خالقية ظليّة تنتهي إلى خالقيته سبحانه ، انتهاء سلسلة الأسباب والمسببات إليه.
ولما كان القدر العيني ، تأثر الشيء عن علله وظروفه الزمانية والمكانية ، وانصباغه بصفة خاصة فهو نوع تخلّق وتكوّن للشيء فلا محالة يكون المقدّر والمكوّن هو الله سبحانه.
ولما كان القضاء العيني ، هو ضرورة تحققه ولزوم وجوده ، فهو عبارة أخرى عن الخلقة الواجبة اللازمة ، فلا محالة يستند إليه سبحانه.
فلأجل ذلك ترى أنه سبحانه تارة يسند التقدير إلى نفسه ويقول : (قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) (١) ويقول (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) (٢).
وأخرى يسند القضاء ويقول : (فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٣) ويقول : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) (٤).
فبما أنّ التقدير والقضاء عبارة أخرى عن كيفية الخلقة ، فلا يوجد شيء في صفحة الوجود إلا بهما ، وإلى ذلك يشير ما تقدم من الإمام الصادق
__________________
(١) سورة الطّلاق : الآية ٣.
(٢) سورة الأعلى : الآية ٣.
(٣) سورة البقرة : الآية ١١٧.
(٤) سورة فصلت : الآية ١٢.