والمشيئة عن الإنسان حتى المشيئة الظلية لمشيئته سبحانه التي لولاها لبطل التكليف وألغيت الشريعة.
روى حماد بن سلمة عن أبي سنان قال : سمعنا وهب بن منبّه قال : كنت أقول بالقدر حتى قرأت بضعا وسبعين كتابا من كتب الأنبياء في كلها : «من جعل لنفسه شيئا من المشيئة فقد كفر» ، فتركت قولي (١).
والمراد من «القدر» في قوله : «كنت أقول بالقدر» ، هو القدرة الإنسانية التي عبّر عنها في ذيل كلامه بالاختيار والمشيئة. كما يمكن أن يكون المراد منه نفي القدر ، كما ربما يقال «القدرية» على نفاة القدر والقضاء.
وهذا النقل يعطي أنّ القول بنفي المشيئة للإنسان ممّا ورد في أزيد من سبعين كتابا من كتب الأنبياء ، حسب زعم هذا الكتابي ، ومنها تسرب هذا القول إلى الأوساط الإسلامية ، حتى أصبح من قال بالمشيئة يكفر حسب نقل هذا الكتابي. وقد تسنم الرجل منبر التحدث عن الأنبياء يوم كان نقل الحديث عن النبي ممنوعا ، وكان نتيجة ذلك التحدث انتشار الإسرائيليات الراجعة إلى حياة الأنبياء في العاصمة الإسلامية المدينة المنورة ، وقد جمع ما ألقاه في مجلد أسماه في كشف الظنون : «قصص الأبرار وقصص الأخيار» (٢).
القدرية في الحديث النبوي
روى الفريقان عن النبي الأكرم أنّه قال : «القدرية مجوس هذه الأمة». وكل من الفريقين فسّر «القدرية» بخصمه. فالقائلين بالقدر بالمعنى السالب للاختيار ، يقولون إن المراد : المفوضة القائلة بالاختيار وعدم شمول القدر لأفعال الإنسان ، فكانوا كالمجوس ، القائلة بإلهين
__________________
(١) ميزان الاعتدال ، ج ٤ ، ص ٣٥٣.
(٢) كشف الظّنون ، ج ٢ ، ص ٢٢٣ ، مادة «قصص».