بالأعمال الصالحة والطالحة ، وقد نقلها أصحاب الصحاح والمسانيد ، فمن أراد استقصاءها فليرجع إلى مظانّها.
وفي الختام نذكّر بأنّ القول بوجود الرابطة بين الحسنات والسيئات والحوادث الكونية لا يهدف إلى إبطال العلل الطبيعية وإنكار تأثيرها ، كما لا يهدف إلى تشريك الحسنات والسيئات مع العوامل المادية. بل المراد إثبات علة في طول علة وعامل معنوي فوق العوامل المادية وإسناد التأثير إلى كلتا العلتين لكن بالترتيب.
الأمر الخامس ـ إمكان النسخ في التشريع والتكوين
إنّ المعروف من عقيدة اليهود أنهم يمنعون النسخ سواء أكان في التكوين أم في التشريع. وقد استدلوا على امتناعه في التشريع بوجوه مذكورة في الكتب الأصولية أوضحها هو أنّ رفع الحكم الثابت لموضوعه إما أن يكون مع بقاء الحال على ما هو عليه من وجه المصلحة وعلم ناسخه بها ، وإما أن يكون من جهة البداء وكشف الخلاف على ما هو الغالب في نسخ الأحكام العرفية ، فالأول ينافي حكمة الجاعل مع أنه حكيم. والثاني يستلزم جهله تعالى. وكلاهما ممتنع.
وأجيب عنه في الكتب الأصولية بما مثاله : إنّ النسخ لا يلزم منه خلاف الحكمة كما لا يلزم منه البداء المحال في حقه. لأن معنى النسخ ارتفاع الحكم المجعول المقيّد بزمان معلوم عند الله ومجهول عند الناس. ويكون ارتفاعه بعد انتهاء ذلك الزمان لأجل انتهاء أمده الذي قيّد به ، وحلول غايته الواقعية التي أنيط بها. ومن المعلوم أنّ للزمان دخالة في مناطات الأحكام فيمكن أن يكون الفعل مشتملا على مصلحة في سنين ثم يخلو عن تلك المصلحة بعد انتهائها. وعندئذ ربما تقتضي المصلحة بيان الحكم من دون بيان حدّه مع أنّ المراد لبّا هو المحدود بالحد الزماني ، فالنسخ بهذا المعنى تقييد لإطلاق الحكم من حيث الزمان ، ولا يستلزم أحدا من التاليين المذكورين في الاستدلال.