نعم ، يقع السؤال عن نكتة ذينك التحديدين ، وأنه إذا كان الأجل غير المسمى يختلف مع المسمى غالبا ، فأي فائدة في ترسيمه؟.
ولكن الإجابة عنه واضحة ، وهي أن ترسيمه يثير النشاط في المجتمع الإنساني حتى يقوم بتهيئة الشرائط ورفع الموانع للبلوغ إلى ذلك الأجل والعمر الطويل الذي حدّدوه بمائة وعشرين سنة.
أضف إلى ذلك أنّ هذين الترسيمين نتيجة ارتباط أجزاء الكون وتأثيره في الوجود الإنساني فإن التركيب الخاص للشخص الإنساني وإن كان يقتضي أن يعمّر العمر الطبيعي ، وهذا يقتضي تحديدا له من حيث هو نفسه ، ولكن بما أنّ أجزاء الكون مؤثرة في حياة الإنسان ، فربما تفاعلت الأسباب والموانع التي لا نحصيها ولا نحيط بها ، فأدى إلى حلول أجله قبل أن ينقضي الأجل الطبيعي وهو المسمى بالموت الاخترامي. وليس يختص الاخترامي بالحوادث المنفصلة كالموت والحرق كما عليه الرازي في تفسيره ، بل يعم فقدان شرائط الحياة ، وسوء التغذية ، وهجوم الغصص والحوادث النفسية المؤلمة.
٥ ـ ما يترتب على البداء في مقام الإثبات
إذا كان البداء هو تغيير المصير بالعمل الصالح والطالح ، وأنّه يقع في الأمور الموقوفة لا المحتومة ، يسهل على الباحث علاج الإخبار بالمغيبات من جانب الأنبياء مع عدم تحققه.
ونرى من هذه الإخبارات نماذج في الكتاب والسنّة :
(١) ـ رأى إبراهيم في المنام أنه يذبح ولده إسماعيل ، ورؤيا الأنبياء وحي (١) ، فتلك الرؤيا الصادقة تحكي عن حقيقة ثابتة وواقعية مسلّمة ، وهو أمر الله لإبراهيم بذبح ولده أولا ، وتحقق ذلك في عالم الوجود ثانيا ، وكأنّ
__________________
(١) لاحظ الدر المنثور ، ج ٥ ، ٢٨٠.