الفطرة والحقيقة ، فإذا قيس إليهما يتصف بالقبح ، فالإتعاب والقبح لا يحتاجان إلى فاعل سوى موجد الإيمان والكفر.
والعجب أنّ الأشعري يعترف بالحسن والقبح العقليين هنا مع أنّ منهجه فيهما غير ذلك كما وقفت عليه في محله.
الدليل الثاني : لا شك أنّ الحركة الاضطرارية مخلوقة لله سبحانه. وما هو الملاك لإسنادها إلى الله ، هو الملاك في حركة الاكتساب (الحركة الاختيارية). فما دلّ على أنّ حركة الاضطرار مخلوقة لله تعالى ، يجب به القضاء على أنّ حركة الاكتساب مخلوقة لله تعالى ، وذلك لوحدة ملاكهما ، وهو الحدوث (١).
يلاحظ عليه ، إنّ اشتراكهما في الملاك لا ينتج إلّا أنّ للحركة الاكتسابية أيضا محدثا ، وأمّا وحدة محدثيهما وأن محدث الأولى هو نفس محدث الثانية ، فلا يدل عليه البرهان ، لأن نسبة الحركة الاضطرارية إلى الله وسلبها عن الإنسان لأجل خروجها عن اختياره وإرادته ، فتنسب إلى الله سبحانه. وأمّا الحركة الاكتسابية فهي واقعة في إطار اختيار الإنسان وإرادته فلا وجه لمقايسة إحداهما بالأخرى.
نعم ، لو قال أحد بمقالة الأشعري ، وأنّ القدرة الحادثة في العبد غير مؤثرة في وجود الفعل ، كان له أن يسند الحركتين إلى الله سبحانه. ولكنه أوّل الكلام والاستناد إلى ذلك الأصل أشبه بكون المدعى نفس الدليل.
ثم إنّ المتأخرين من الأشاعرة ، كالرازي في (محصّله) ، والإيجي في (مواقفه) ، والتفتازاني في (شرح مقاصده) ، والقوشجي في (شرحه على التجريد) ، بحثوا عن المسألة (خلق الأعمال) تحت عنوان عموم قدرته سبحانه لكل شيء وأن كل موجود واقع بقدرته ، ولأجل إكمال البحث نأتي ببعض ما ذكروه من الأدلة.
__________________
(١) اللمع ، ص ٧٤ ـ ٧٥ ، والدليل منقول بالمعنى.