الدليل الثالث ـ لو كان العبد موجدا لأفعال نفسه ، لكان عالما بتفصيل أفعاله وهذا معنى قوله سبحانه : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (١). وبما أنّ الإنسان غير عالم بتفاصيل أفعاله بشهادة أنا نقصد الحركة من المبدأ إلى المنتهى ، ولا نقصد جزئيات تلك الحركة ، وجب القطع بأنّ العبد غير موجد لها (٢).
يلاحظ عليه : إنّ الفاعل لو كان قاصدا للفعل بالتفصيل ، يوجده به ، ولو كان قاصدا بالإجمال يوجده كذلك ، فصانع شربة كيميائية من عدة عناصر مختلفة يقصد إدخال كل عنصر فيها على وجه التفصيل ، فيلزمه العلم بها تفصيلا ، والقائم بالأكل والتكلم يقصد أصل الفعل على وجه التفصيل ، ويقصد مضغ كل حبة أو التكلم بكل حرف وكلمة إجمالا ، فيلزمه العلم بهما على وجه الإجمال.
الدليل الرابع ـ لو كانت قدرة العبد صالحة للإيجاد ، فلو اختلفت القدرتان في المتعلق ، مثل ما إذا أراد تعالى تسكين جسم وأراد العبد تحريكه ، فإما أن يقع المرادان ، وهو محال. أو لا يقع واحد منهما وهو أيضا محال ، لاستلزامه ارتفاع النقيضين. أو يقع أحدهما دون الآخر وهو أيضا محال ، لأن وقوع أحدهما ليس أولى من وقوع الآخر لأن الله تعالى وإن كان قادرا على ما لا نهاية له والعبد ليس كذلك إلّا أنّ ذلك لا يوجب التفاوت بين قدرة الله وقدرة العبد (٣).
يلاحظ عليه : إننا نختار الشقّ الآخر أي وقوع مراد الله دون مراد العبد لأنّ قدرة الله في الصورة المفروضة ، قدرة فعلية تامة في التأثير وقدرة العبد قدرة ممنوعة ، ومن شرائط القدرة الفعلية أن لا تكون ممنوعة من ناحية قدرة بالغة كاملة. فتعلق قدرته سبحانه وإرادته على الحركة تكون مانعة عن
__________________
(١) سورة الملك : الآية ١٤.
(٢) الأربعون للرازي ، ص ٢٣١ ـ ٢٣٢. وشرح التجريد للقوشجي ، ص ٤٤٧.
(٣) الأربعون للرازي ، ص ٢٣٢.