وصول قدرة العبد إلى درجة التأثير والإيجاد ، فإحداهما مطلقة والأخرى مشروطة.
الدليل الخامس : إنّ نسبة ذاته إلى جميع الممكنات على السوية فيلزم أن يكون تعالى قادرا على جميع الممكنات وعلى جميع مقدورات العباد. وعلى هذا ففعل العبد إمّا أن يقع بمجموع القدرتين ، أعني قدرة الله وقدرة العبد ، وإمّا أن لا يقع بواحدة منهما ، وإمّا أن يقع بإحدى القدرتين دون الأخرى. والأقسام الثلاثة باطلة ، فوجب أن لا يكون العبد قادرا على الإيجاد والتكوين (١).
يلاحظ عليه : إنّ لعموم قدرته سبحانه تفسيرين :
١ ـ أن يتحقق كل شيء بقدرته سبحانه مباشرة ، وبلا واسطة كما هو الحال في الصادر الأول في جميع المذاهب.
٢ ـ أن يتحقق بقدرة مفاضة منه إلى العبد ، فيقوم العبد بإيجاده بحول وقوّة منه سبحانه ، فالفعل مقدور للعبد بلا واسطة ومقدور لله سبحانه عن طريق القدرة التي تفضل بها عليه وأقدر عبده بها على الفعل. فيكون الفعل فعل الله من جهة وفعل العبد من جهة أخرى.
وبعبارة أخرى إنّ العوالم الممكنة من عاليها إلى سافلها متساوية النسبة إلى قدرته سبحانه فالجليل والحقير والثقيل والخفيف عنده سواسية ، لكن ليس معنى الاستواء قيامه بكل شيء مباشرة وخلع التأثير عن العلل والأسباب ، بل هو سبحانه يظهر قدرته وسلطانه عن طريق خلق الأسباب وبعث العلل نحو المسببات والمعاليل فالكل مخلوق له ، ومظاهر قدرته وحوله.
فالأشاعرة خلعوا الأسباب والعلل وهي جنود الله سبحانه ، عن مقام التأثير والإيجاد. كما أنّ المفوضة عزلت سلطانه عن ملكه وجعلت بعضا منه
__________________
(١) الأربعون للرازي ، ص ٢٣٢.