في سلطان غيره. والحق الذي عليه البرهان ويصدقه الكتاب كون الفعل موجودا بقدرتين لكن لا بقدرتين متساويتين ولا بمعنى علتين تامتين بل بمعنى كون الثانية من مظاهر القدرة الأولى وشئونها وجنودها ؛ (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) (١). وقد جرت سنة الله تعالى على خلق الأشياء بأسبابها فجعل لكل شيء سببا ، وللسبب سببا إلى أن ينتهي إلى الله سبحانه ، والمجموع من الأسباب الطولية علة واحدة تامة كافية لإيجاد الفعل ونكتفي في المقام بكلمة عن الإمام الصّادق (عليهالسلام) :
قال : «أبى الله أن يجري الأشياء إلّا بأسباب ، فجعل لكل شيء سببا وجعل لكل سبب شرحا» (٢).
ثم إنّ للقوم من المعتزلة والأشاعرة أقوالا لا توافق الأصول الفلسفية ولا الكتاب العزيز ، نذكرها في ملحق خاص آخر الكتاب خشية أن يطول المقام (٣).
إلى هنا تم الكلام في المقام الأول وهو تفسير عموم قدرته تعالى وكون أفعال العباد مخلوقة له سبحانه.
* * *
المقام الثاني : في حقيقة الكسب
إنّ القول بخلق الأفعال لما كان مستلزما للجبر حاول الأشعري معالجته بإضافة الكسب إلى الخلق ، قائلا بأنّ الله هو الخالق والعبد هو الكاسب ، وملاك الطاعة والعصيان هو «الكسب» ، دون «الخلق». فكل فعل صادر عن كل إنسان مريد يشتمل على جهتين : «الخلق» و «الكسب». فالخلق منه سبحانه والكسب من الإنسان. وقد عرفت أنّ نظرية الكسب التي تدرع بها الأشاعرة أخذتها عن النجارية والضرارية ، فقد سبقتاها في تبني هذه
__________________
(١) سورة المدثّر : الآية ٣١.
(٢) الكافي ، ج ١ ، باب معرفة الإمام ، الحديث ٧ ، ص ١٨٣.
(٣) لاحظ الملحق الأول في آخر الكتاب.