إنكار الكسب من محققي الأشاعرة
الأشاعرة وإن أصرّوا على نظرية الكسب إلّا أنّ هناك رجالا منهم أدركوا جفاف النظرية ومضاعفاتها السيئة ، فنقضوا ما أبرموه وأجهروا بالحقيقة. ونخص بالذكر منهم رجالا ثلاثة :
الأول : إمام الحرمين أبو المعالي الجويني (ت ٤٧٨) ، فقد صرّح بتأثير قدرة العباد في أفعالهم ، وأنّ قدرتهم تنتهي إلى قدرة الله سبحانه ، وأنّ عالم الكون مجموعة من الأسباب والمسببات ، وكل سبب يستمد من سببه المقدم عليه ، وفي الوقت نفسه يستمد ذاك السبب من آخر ، إلى أن يصل إلى الله سبحانه وهو الخالق للأسباب ومسبباتها المستغني على الإطلاق» (١).
الثاني : الشيخ الشعراني (ت ٩٧٣) وهو من أقطاب الحديث والكلام في القرن العاشر فقد وافق إمام الحرمين في هذا المجال ، وقال من زعم أنه لا عمل للعبد فقد عاند ، فإن القدرة الحادثة إذا لم يكن لها أثر فوجودها وعدمها سواء.
ومن زعم أنه مستبد بالعمل فقد أشرك ، فلا بد أنه مضطر على الاختيار (٢).
الثالث : الشيخ محمد عبده (ت ١٣٢٣) فقد خالف الرأي العام عند الأشاعرة وصرّح بتأثير قدرة العبد في فعله ولم يبال في ذلك باعتراض رجال الأزهر الذين كانوا يكفّرون من قال بالعلّة الطبيعية أو بمطلق العلّة غيره سبحانه ويرددون في ألسنتهم قول القائل :
ومن يقل بالطّبع أو بالعلّة |
|
فذاك كفر عند أهل الملّة |
__________________
(١) لاحظ نص كلامه في الملل والنحل ، ج ١ ، ص ٩٨ ـ ٩٩ وهو بشكل أدق خيرة الحكماء والإمامية جمعاء.
(٢) اليواقيت والجواهر في بيان عقيدة الأكابر ، للشعراني ، ص ١٣٩ ـ ١٤١.