الأصل الثاني :
علمه الأزلي المتعلق بأفعال العباد
هذا هو الأصل الثاني الذي اعتمد عليه اتباع الإمام الأشعري. وبيانه : إنّ ما علم الله عدمه من أفعال العباد فهو ممتنع الصدور عن العبد ، وإلّا جاز انقلاب العلم جهلا. وما علم الله وجوده من أفعاله ، فهو واجب الصدور عن العبد ، وإلّا جاز ذلك الانقلاب ، ولا مخرج عنهما لفعل العبد. فيبطل الاختيار إذ لا قدرة على الواجب ، والممتنع.
وكأن هذا الاستدلال ، استدلال نقضي على القائلين بالاختيار. ولأجل ذلك يقول المستدل بعد نقله : «إن ما ذكرنا يبطل التكليف لابتنائه على القدرة والاختيار ، فما لزم القائلين بمسألة خلق الأعمال فقد لزم غيرهم لأجل اعتقادهم بعلمه الأزلي المتعلق بالأشياء» حتى أنّ الإمام الرازي ذكر هذا الدليل متبجحا بقوله : «ولو اجتمع جملة العقلاء لم يقدروا على أن يوردوا على هذا الوجه حرفا إلا بالتزام مذهب هشام وهو أنه تعالى لا يعلم الأشياء قبل وقوعها» (١).
أقول : يلاحظ عليه : مضافا إلى أنّ ما نسبه إلى هشام بن الحكم أمر غير ثابت ولم يقل به بعد انتمائه إلى الإمام الصادق (عليهالسلام) : إنّ الإجابة عن هذا الاستدلال واضحة جدا ، وإنّ زعم الرازي أنّ الثقلين لا يقدرون على حلّ عقدته ، وهي كما أوضحناه عند البحث عن القضاء والقدر أنّ علمه الأزلي لم يتعلق على صدور كل فعل عن فاعله على وجه الإطلاق ، بل تعلق علمه بصدور كل فعل عن فاعله حسب الخصوصيات الموجودة فيه. وعلى ضوء ذلك تعلق علمه الأزلي بصدور الحرارة من النار على وجه الجبر ، بلا شعور ولا اختيار ، كما تعلق علمه الأزلي بصدور الرعشة من المرتعش على وجه الجبر عالما بلا اختيار ، ولكن تعلق علمه سبحانه بصدور فعل الإنسان الاختياري منه بقيد الاختيار والحرية. فتعلق علمه بوجود
__________________
(١) شرح المواقف ، ج ٨ ، ص ١٥٥.