تشكيكات أخرى للأشاعرة
هذا هو المهم من الأصول التي اعتمد عليها الأشاعرة في إثبات الجبر وسلب الاختيار ولهم هناك تشكيكات واهية لا تستحق أن يطلق عليها اسم الاستدلال نكتفي بذكر أمرين منها :
الأول : التكليف واقع بمعرفة الله تعالى إجماعا ، فإن كان التكليف في حال حصول المعرفة فهو تكليف بتحصيل الحاصل ، وهو محال. وإن كان في حال عدمها فغير العارف بالمكلّف وصفاته المحتاج إليه في صحة التكليف منه ، غافل عن التكليف. وتكليف الغافل تكليف بالمحال (١).
يلاحظ عليه : إنّ البحث في كون الإنسان مختارا أو مجبورا ، وليس البحث في جواز التكليف بالمحال وما ذكر من الاستدلال راجع إلى الأول دون الثاني هذا أولا.
وثانيا : إنّ التكليف بالمعرفة تكليف عقلي لا شرعي ، ويكفي في التكليف العقلي التوجه الإجمالي إلى أنّ هناك منعما يجب معرفته ومعرفة صفاته وأفعاله حتى يكون شاكرا في مقابل نعمه ، أو يجب معرفته دفعا للضرر المحتمل على التقريرين في بيان لزوم معرفة الباري في مسلك المتكلمين. ويكفي في حكم العقل التوجه الإجمالي لا التفصيلي. وعلى ذلك فنحن نختار الشقّ الأول من الاستدلال ولكن لا بمعنى المعرفة التفصيلية حتى
__________________
ـ وأنت تعلم أن هذا الجواب يمكن أن يكون رافعا للشبهة الثانية أعني وجوب الفعل عند وجوب العلّة ، ولا يكون قالعا لما نحن فيه من الإشكال لأن كلام الأشاعرة مركز على أن هذا الداعي يوجد في النفس لا من جانب الإنسان بل من جانبه سبحانه ومعه يكون الفعل واجبا ضروريا خارجا عن الاختيار ، فالقول بأنّ الفعل واجب بالنظر إلى الداعي وهو لا ينافي القدرة والإمكان بالنظر إلى نفس الفعل ، لا يرتبط بالإشكال. نعم يمكن أن تكون عبارة المحقق جوابا نقضيا عن استدلال الأشاعرة ببيان أن ما ذكرتموه من الدليل في حق الإنسان قائم في حقه سبحانه حرفا بحرف كما نوّه به العلّامة في (كشف المراد) وأوضحه شارح (المواقف) فلاحظهما. وقد خلط شيخنا المظفر في تقرير استدلال الأشاعرة ، بين الدليلين. فلاحظ (دلائل الصدق) ، ج ١ ، ص ٥١١.
(١) شرح المواقف ، ج ٢٨ ، ص ١٥٧.