لا يتصف هو ولا فعله بالجبر. فالاستنتاج نبع من المغالطة بين الفاعل الموجب والفاعل الموجب ، وهو أحد أقسام المغالطة (١).
الدليل الثاني ـ الإرادة ليست اختيارية
هذا الدليل الذي لجأ إليه الجبريون من الحكماء ، هو المزلقة الكبرى ، والداهية العظمى في المقام ولقد زلّت في نقده وتحليله أقدام الكثير من الباحثين ، ولا عتب علينا لو أسهبنا البحث فيه ، فنقول :
قال المستدل : إنّ كل فعل اختياري بالإرادة ، ولكنها ليست أمرا اختياريا والا لزم أن تكون مسبوقة بإرادة أخرى ، وينقل الكلام إليها ، فإمّا أن تقف السلسلة فيلزم الجبر في الإرادة النهائية وإمّا أن لا تقف فيلزم التسلسل.
وبعبارة ثانية : إنّ الفعل الاختياري ما كان مسبوقا بالإرادة ، وأمّا نفسها ، فلا تكون كذلك ، لأنا ننقل الكلام إلى الثانية منها فهل هي كذلك أو لا؟ وعلى الثاني يثبت كونها غير اختيارية لعدم سبق إرادة عليها ، وعدم نشوئها من إرادة أخرى. وعلى الأول ينقل الكلام إليها مثل الأولى فإما أن يتوقف في إرادة غير مسبوقة ، أو يتسلسل. والثاني محال. فيثبت الأول.
وقد نقل صدر المتألهين هذا الإشكال عن المعلّم الثاني الفارابي حيث قال في نصوصه: «إن ظن ظان أنّه يفعل ما يريد ويختار ما يشاء ، استكشف عن اختياره هل هو حادث فيه بعد ما لم يكن أو غير حادث؟ فإن كان غير حادث فيه لزم أن يصحبه ذلك الاختيار منذ أول وجوده ، ولزم أن يكون مطبوعا على ذلك الاختيار لا ينفك عنه ، وإن كان حادثا ـ ولكل حادث محدث ـ
__________________
(١) إن للمغالطة أقساما كثيرة ربما تناهز الثلاثة عشر قسما ، ومنها هذا القسم الوارد في هذا البحث. لاحظ قسم المغالطة في شرح المنظومة للحكيم السبزواري (ص ١٠٥ ـ قسم المنطق) حيث يقول :
أنواعها الثلاثة عشر كما |
|
قد ضبطوها من كلام القدماء |