الوجه الثالث : إنّ القول بحاجة الممكن إلى العلة في حدوثه دون بقائه غفلة عن واقعية المعلول ونسبته إلى علّته فإن وزانه إليها وزان المعنى الحرفي بالنسبة إلى المعنى الاسمي. فكما أنّه ليس للأول الخروج عن إطار الثاني في المراحل الثلاث : التصوّر ، والدّلالة ، والتحقّق ، فهكذا المعلول ليس له الخروج عن إطار العلّة في حال من الحالين الحدوث ، والبقاء (٢).
فإذا كان هذا حال المقاس عليه فاستوضح منه حال المقاس ، فإنّ المفاض منه سبحانه هو الوجود وهو لا يخلو عن إحدى حالتين : إمّا وجود واجب أو ممكن ، والأول خلف لأن المفروض كونه معلولا ، فثبت الثاني ، وما هو كذلك لا يمكن أن يخرج عمّا هو عليه (الإمكان) فكما هو ممكن حدوثا ، ممكن بقاء ، ومثل ذلك لا يستغني عن الواجب في حال من الحالات لأن الاستغناء آية انقلابه عن الإمكان إلى الوجوب ، وعن الفقر إلى الغنى.
نعم ، ما ذكرنا من النسبة إنما يجري في العلل ، والمعاليل الإلهية لا الفواعل الطبيعية ، فالمعلول الإلهي بالنسبة إلى علته هو ما ذكرنا ، والمراد من العلّة الإلهية ، مفيض الوجود ومعطيه كالنفس بالنسبة إلى الصور التي تخلقها في ضميرها ، والإرادة التي توجدها في موطنها ، ففي مثل هذه المعاليل ، تكون نسبة المعلول إلى العلّة ، كنسبة المعنى الحرفي إلى الاسمي.
وأمّا الفاعل الطبيعي ، كالنار بالنسبة إلى الإحراق ، فخارج عن إطار بحثنا ، إذ ليس هناك عليّة حقيقية ، بل حديث العلية هناك لا يتجاوز عن تبديل أجزاء النار إلى الحرارة. وذلك كما هو الحال في العلل الفيزيائية
__________________
ـ فيها في بعض محاضراته. لاحظ كتاب «الله خالق الكون» ص ٥٢٥ ـ ٥٥٥ تجد فيه بغيتك.
(٢) سيوافيك توضيح هذا التشبيه عند البحث عن المنهج الثالث للاختيار وهو القول بالأمر بين الأمرين.