تمثيلان لإيضاح الحقيقة
الحق أنّ قياس المعقول بالمحسوس الذي ارتكبته المعتزلة قياس غير تام ولو أراد المحقق ارتكاب لهذا القياس والتمثيل فعليه أن يتمسك بالمثالين التاليين :
الأول : إنّ مثل الموجودات الإمكانية بالنسبة إلى الواجب ، كمثل المصباح الكهربائي المضيء ، فالحس الخاطئ يزعم أنّ الضوء المنبعث من هذا المصباح هو استمرار للضوء الأول ، ويتصور أنّ المصباح إنّما يحتاج إلى المولّد الكهربائي في حدوث الضوء ، دون استمراره.
والحال أنّ المصباح فاقد للإضاءة في مقام الذات محتاج في حصولها إلى ذلك المولد في كل لحظة ، لأنّ الضوء المتلألئ من المصباح إنما هو استضاءة بعد استضاءة ، واستنارة بعد استنارة من المولد الكهربائي. أفلا ينطفئ المصباح إذا انقطع الاتصال بينه وبين المولد؟ فالعالم يشبه هذا المصباح الكهربائي تماما ، فهو لكونه فاقدا للوجود الذاتي يحتاج إلى العلّة في حدوثه وبقائه لأنه يأخذ الوجود آنا بعد آن ، وزمانا بعد زمان.
الثاني : نفترض منطقة حارّة جافّة تطلع عليها الشمس بأشعتها المحرقة الشديدة. فإذا أردنا أن تكون تلك المنطقة رطبة دائما بتقطير الماء عليها ، وإفاضته بما يشبه الرذاذ ، فإن هذا الأمر يتوقف على استمرار تقاطر الماء عليها ولو انقطع لحظة ساد عليها الجفاف وصارت يابسة.
فمثل الممكن الذي يتصف بالوجود باستمرار ، مثل هذه الأرض المتصفة بالرطوبة دائما ، فكما أنّ الثاني رهن استمرار إفاضة قطرات الماء عليها آنا بعد آن ، فهكذا الأول لا يتحقق إلّا باستمرار إفاضة الوجود عليه آنا بعد آن. ولو انقطع الفيض والصلة بينه وبين المفيض لانعدم ولم يبق منه أثر.
* * *