وتخبر أنّ أنّ الاختيار بأيدينا |
|
فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر (١) |
* * *
رجوع الرازي إلى القول بالأمر بين الأمرين
إن فخر الدين الرازي (ت ٥٤٣ ـ م ٦٠٦) ، مع كونه متعصبا في الذبّ عن كلام الأشعري ، رجع إلى القول بالأمر بين الأمرين وقال :
«هذه المسألة عجيبة ، فإن الناس كانوا مختلفين فيها أبدا بسبب أنّ ما يمكن الرجوع فيها إليها متعارضة ، فمعوّل الجبرية على أنّه لا بد لترجيح الفعل على الترك من مرجح ليس من العبد ، ومعوّل القدرية على أنّ العبد لو لم يكن قادرا على فعل لما حسن المدح والذمّ والأمر والنهي». ثم ذكر أدلة الطائفتين إلى أن قال : «الحق ما قال بعض أئمة الدين إنّه لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين ، وذلك أنّ مبنى المبادي القريبة لأفعال العباد على قدرته واختياره والمبادي البعيدة على عجزه واضطراره ، فالإنسان مضطر في صورة مختار كالقلم في يد الكاتب والوتد في شق الحائط ، وفي كلام العقلاء قال الحائط للوتد : لم تشقّني؟ فقال : سل من يدقّني» (٢)
اعتراف شيخ الأزهر بصحة هذه النظرية
وممن اعترف بالأمر بين الأمرين شيخ الأزهر في وقته ، الشيخ محمد عبده في رسالته حول التوحيد ، وقد أثّر كلامه في الأجيال المتأخرة من تلاميذ منهجه ومطالعي كتبه ، قال : «جاءت الشريعة بتقرير أمرين عظيمين ، هما ركنا السعادة وقوام الأعمال البشرية ، الأول : إنّ العبد يكسب بإرادته وقدرته
__________________
(١) مقدمة الروضة البهية للشهيد الثاني ، ص ١٨٨.
(٢) بحار الأنوار ، ح ٥ ، ص ٨٢. ولا يخفى إنّه مع اعترافه ببطلان الجبر والتفويض في ثنايا كلامه لم يفسّر نظرية الأمر بين الأمرين تفسيرا لائقا بها.