الأعمال التي توجب الشقاء والسعادة ، ويدلّك على ذلك قوله سبحانه في الآية المتقدمة : (وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ) (١).
وبذلك يظهر ضعف ما اعتمد عليه المحقق الخراساني في معالجة مسألة العقاب حيث قال : «العقاب إنما يتبع الكفر والعصيان التابعين للاختيار (الإرادة) الناشئ عن مقدماته ، الناشئة عن شقاوتهما الذاتية ، اللازمة لخصوص ذاتهما ، فإنّ السعيد سعيد في بطن أمه ، والشقي شقي في بطن أمّه» (٢).
كيف وقد دلّت التجارب العلمية على أنّ كثيرا من الملكات والصفات يكتسبها الإنسان على مدى حياته بممارسة الأعمال والأفعال ، وإلّا فالإنسان يخلق على الفطرة الصحيحة السالمة قال سبحانه : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٣) ، فالآية تفسّر الدين الذي يجب التوجه إليه بقوله : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها). و «الفطرة» بمعنى الخلقة بقرينة قوله سبحانه: (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ). وتشير الجملة إلى أنّ الذي يجب التوجّه إليه (لقوله فأقم وجهك للدين حنيفا) هو مما جبل الإنسان عليه ، فإصغاؤه لدعوة الدين تلبية لنداء الفطرة ، ومن خلق على فطرة الدين كيف يكون شقيا بالذات؟
تحليل لآية أخرى
ربما يتمسك في إثبات الشقاء الذاتي بقوله سبحانه ، حاكيا عن
__________________
(١) سورة هود : الآية ١٠١.
(٢) كفاية الأصول ، ج ١ ، بحث اتحاد الطلب والإرادة ، ص ١٠٠.
(٣) سورة الروم : الآية ٣٠.