لأجاب بأنّ الله هو المدبر ، كما يقول سبحانه : (وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ) (١) لكن نرى أنّ القرآن يعترف بمدبريّة غير الله سبحانه حيث يقول : (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) (٢).
٥ ـ إنّ القرآن يشير إلى كلتا النسبتين (أي نسبة الفعل إلى الله سبحانه إشارة إلى الجانب التسبيبي وإلى الإنسان إشارة إلى الجانب المباشري) بقوله : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) (٣).
فهو يصف النبي الأعظم (صلىاللهعليهوآلهوسلم) بالرمي وينسبه إليه حقيقة ويقول : «إذ رميت» ، لكنه يصف الله سبحانه بأنه الرامي الحقيقي وما ذلك إلا لأن النبي إنما قام بما قام بالقدرة التي منحها الله له ، وكان مفيضا لها عليه حين الفعل ، فيكون فعله فعلا لله أيضا.
وهذه المجموعة من الآيات ترشدك إلى النظرية الحقّة في تفسير التوحيد في الخالقية. وفي الحديث القدسي إشارة إليها.
يقول : «يا ابن آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ، وبقوتي أدّيت إلي فرائضي ، وبنعمتي قويت على معصيتي ، جعلتك سميعا بصيرا قويا» (٤).
ثم إنّ هذه النظرية ، على تقاريرها المختلفة من حيث الدقّة والرقّة (٥)
__________________
(١) سورة يونس : الآية ٣١.
(٢) سورة النازعات : الآية ٥.
(٣) سورة الأنفال : الآية ١٧.
(٤) البحار ، ج ٥ ، ص ٥٧.
(٥) إن تفسير مسألة «الأمر بين الأمرين» وأنّ فعل العبد في حال كونه فعله ، فعلا لله سبحانه يختلف حسب اختلاف الأفهام في المقام ، فيفسره المتكلم على نمط يناسب أبحاثه ، فيصور كونه سبحانه فاعلا بالتسبيب من حيث أنه أعطى القدرة والحياة للعبد ، فلولاه لما قدر العبد على العمل ، وأما الحكيم الإلهي فيرى الموجودات على تباينها في الذوات والصفات والأفعال ، وترتبها في القرب والبعد من الحق تعالى ، قائمة بذاته سبحانه ، فهو مع بساطته ـ