أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) (١) ويقول عزوجل : (وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ)(٢).
وحصيلة البحث
١ ـ إنّ ربوبيّة الله عبارة عن مدبريته تعالى للعالم لا عن خالقيته.
٢ ـ دلّت الآيات التي ذكرناها على أنّ مسألة التوحيد في التدبير «لم تكن موضع اتفاق ، بخلاف مسألة «التوحيد في الخالقية» وأنّه كان في التاريخ ثمة فريق يعتقد بمدبريّة غير الله للكون كله أو بعضه ، وكانوا يخضعون أمامها باعتقاد أنها أرباب.
٣ ـ وبما أنّ الربوبية في التشريع غير الربوبية في التكوين فقد تكون بعض الفرق موحدة في الثاني ومشركة في الأول فاليهود والنصارى تورطوا في «الشرك الربوبي التشريعي» لأنهم أعطوا زمام التقنين والتشريع إلى الأحبار والرهبان وجعلوهم أربابا من هذه الجهة ، فكأنهم فوّض أمر التشريع إليهم.
وبذلك يتجلّى أنّ التوحيد في الربوبية هو الاعتقاد بأنّ الخير والشرّ وتدبير الحياة والكون كلّها بيد الله سبحانه وأنّ الإنسان بل كل ما في الكون لا يملك لنفسه شيئا من التدبير ، وأنّ مصير الإنسان في حياته كلها إليه سبحانه ولو كان في عالم الكون أسباب ومدبرات له ، فكلها جنود له سبحانه يعملون بأمره ويفعلون بمشيئته. ويقابله الشرك في الربوبية وهو تصوّر أن هناك مخلوقات لله سبحانه لكن فوّض إليها أمر تدبير الكون ومصير الإنسان في حياته تكوينا أو تشريعا وأنّه سبحانه اعتزل هذه الأمور بعد خلقهم وتفويض الأمر إليهم.
هذا خلاصة التوحيد والشّرك في مجال الربوبية وإنما الكلام في إقامة الدليل عليه :
__________________
(١) سورة التوبة : الآية ٣١.
(٢) سورة آل عمران : الآية ٦٤.