إنّ تصور تعدّد المدبر لهذا العالم يكون على وجوه :
١ ـ أن ينفرد كل واحد من الآلهة المدبرة بتدبير مجموع الكون باستقلاله بمعنى أن يعمل كل واحد ما يريده في الكون دون ما منازع ، ففي هذه الصورة يلزم تعدّد التدبير ، لأنّ المدبّر متعدّد ومختلف في الذات ، وهذا يستلزم طروء الفساد على العالم. وهذا ما يشير إليه قوله سبحانه : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ).
٢ ـ وإما أن يدبر كل واحد قسما من الكون الذي خلقه وعندئذ يجب أن يكون لكل جانب من الجانبين نظام خاص مغاير لنظام الجانب الآخر وغير مرتبط به أصلا وعندئذ يلزم انقطاع الارتباط وذهاب الانسجام المشهود في الكون ، في حين أننا لا نرى في الكون إلّا نوعا واحدا من النظام يسود كل جوانبه من الذرّة إلى المجرّة وإلى هذا الشق أشار بقوله في الآية الثانية : (إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ).
٣ ـ أن يتفضل أحد هذه الآلهة على البقية ويكون حاكما عليهم ، ويوحّد جهودهم وأعمالهم ، ويسبغ عليها الانسجام ، وعندئذ يكون الإله الحقيقي هو هذا الحاكم دون البقية وإلى هذا يشير قوله سبحانه : (وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ).
فتلخص أنّ الآيتين بمجموعهما تشيران إلى برهان واحد ، ذي شقوق تتكفل كل واحدة منهما ببيان بعضها.
التوحيد في التدبير في أحاديث أئمة أهل البيت (ع)
جاءت الأحاديث عن أئمة أهل البيت (عليهمالسلام) حول هذا القسم من التّوحيد مركزة على الدلائل التي تقدم ذكرها.
يقول الإمام الصادق (عليهالسلام) : «فلما رأينا الخلق مسطما والفلك جاريا ، واختلاف الليل والنهار والشمس والقمر ، دلّ صحة الأمر