الملائكة وسائط في التدبير
الملائكة وسائط بينه تعالى وبين الأشياء بدءا وعودا ، على ما يعطيه القرآن الكريم ، بمعنى أنّهم أسباب للحوادث فوق المادية في العالم المشهود قبل حلول الموت والانتقال إلى نشأة الآخرة ، وبعده.
أمّا في العود ، أعني حال ظهور آيات الموت وقبض الروح وإجراء السؤال وثواب القبر وعذابه ، وإماتة الكل بنفخ الصور وإحيائهم بذلك مجددا ، والحشر وإعطاء الكتاب ووضع الموازين ، والحساب ، والسوق إلى الجنة أو النار فوساطتهم فيها غنية عن البيان. والآيات الدّالة على ذلك كثيرة لا حاجة إلى إيرادها والأخبار المأثورة فيها عن النبي وأئمة أهل البيت (عليهمالسلام) فوق حدّ الإحصاء. وكذا وساطتهم في مرحلة التشريع من النزول بالوحي ودفع الشياطين عن المداخلة فيه ، وتسديد النبي ، وتأييد المؤمنين وتطهيرهم بالاستغفار.
وأمّا وساطتهم في تدبير الأمور في هذه النشأة فيدل عليها قوله سبحانه : (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً* وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً* وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً* فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً* فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) (١).
فإنّ المراد من «النّازعات» التي أقسم بها القرآن هو الملائكة التي تنزع الأرواح من الأجساد ، و «غرقا» كناية عن الشديد في النزع. والمراد من «الناشطات» التي تخرج الأرواح برفق وسهولة. و «السابحات» النازلة من السماء مسرعة والسبح الإسراع في الحركة كما يقال للفرس سابح إذا أسرع في جريه. و «السابقات» نفس الملائكة لأنها سبقت ابن آدم بالخير والإيمان والعمل الصالح و «فالمدبّرات أمرا» الملائكة المدبرة لأمور الكون.
فشأن الملائكة أن يتوسطوا بينه تعالى وينفذوا أمره كما يستفاد من قوله
__________________
(١) سورة النّازعات : الآيات ١ ـ ٥.