وهذا النداء القرآني يكرّره المسلمون في تلاواتهم وإذاعاتهم وأنديتهم الدينية ، فلم يُجِب إلى الآن أحد من العرب والعجم ، بل كلّهم انحنوا ـ مذهولين ـ أمام عظمة القرآن في فصاحته وبلاغته ونظمه وأسلوبه ، كما سيأتي الكلام فيه مفصلاً .
على أنّ القرآن الكريم أخبر بأنّ هذه المعجزة خالدة إلى يوم القيامة ، ولن يقدر أحد من البشر على مقابلتها ، بقوله : ( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَـٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ، وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) (١) .
روى أهل السِيَر والتاريخ أنّه قَدِم وفد نصارى نَجران على رسول الله صلى الله عليه وآله ، فدارت بينه وبينهم أسئلة وأجوبة حول نبوته عليه الصلاة والسلام . فدعاهم الرسول إلى قبول الإسلام ، فامتنعوا ، فدعاهم إلى المباهلة فاستنظروه إلى صبيحة اليوم التالي :
فلما رجعوا إلى رجالهم ، قال لهم الأُسقف : « أُنظروا محمداً ، فإن خرج بِوُلده وأَهْلِهِ ، فاحذروا مباهَلَته ، وإِن خَرَجَ بأصحابه فباهلوه » .
فلما كان الغد ، خرج النبي الأكرم ويده في يد علي بن أبي طالب ، والحسن والحسين يمشيان أمامه ، وفاطمة ابنته تمشي خلفه .
وخرج النصارى يتقدّمهم أُسْقُفُهم ، فلما رأى النبيَّ قد أقبل بمن معه ، سأل عنهم فقيل له : هذا ابن عمه ، وهذان ابنا بنته ، وهذه الجارية بنته فاطمة ، أعزّ الناس عليه .
وتقدم رسول الله صلى الله عليه وآله فجثا على ركبتيه ، فقال أبو حارثة الأسقف : « جثا والله كما جثا الأنبياء للمباهلة » ، فرجع ولم يُقدم على المباهلة .
__________________
(١) سورة الإسراء : الآية ٨٨ .