إنّ عمل أَهل الرياضة والسحر ، لما كان رهن التعليم والتعلّم ، متشابه في نوعه ، متّحد في جنسه ، يدور في فلك واحد ، ولا يخرج عن نطاق ما تعلمه أهله ومارسوه ، ولذا لا يأتون بما يريده الناس والمتفرجون ، بل بما تدرّبوا عليه ، وافق طلب الناس أو لا .
بخلاف إعجاز الأنبياء ، فإنّه على جانب عظيم من التنوع في الكيفية إلى حدٍّ قد لا يجد الإنسان بين المعجزات قدراً مشتركاً وجنساً قريباً . فشتّان ما بين قلب العصا إلى الثعبان الحي (١) ، وضربها على الأحجار ليتفجر منها الماء (٢) ، وضربها على البحر لينفلق شطرين ، كل فرق كالطَّوْد العظيم (٣) ، وإخراج اليد من الجيب بيضاء تتلألأ (٤) ، وغير ذلك من معاجز موسى عليه السلام .
وكذلك الحال في آيات المسيح البيّنات ، المُبْهرة للعقول والمدهشة للقلوب ، فتارة ينفخ في هيئة الطير المجسّمة من الطين فتدبّ الحياة فيها ، وتنبض بالدماء عروقها ، فتكون طيراً بإذن الله . وأخرى يبرىء الأكمه والأبرص ، وثالثة يحيي الموتى ، ورابعة ينبىء الناس بما يأكلون في بيوتهم ويدّخرون فيها (٥) ، ولذلك يصفها تعالى بالجلال والتقدير بقوله : ( إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) (٦) .
وهذا التنوع في الكيفية ، نتيجة كون قدرتهم مستندة إلى القدرة الإلهية .
نعم إنّ الحكمة الإلهية اقتضت أن تكون معاجز الأنبياء مناسبة للفنون
__________________
(١) قال تعالى : ( فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ ) ( سورة الأعراف : الآية ١٠٧ ) .
(٢) قال تعالى : ( وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ) ( سورة البقرة : الآية ٦٠ ) .
(٣) قال تعالى : ( فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ) ( سورة الشعراء : الآية ٦٣ ) .
(٤) قال تعالى : ( وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ ) ( سورة الأعراف : الآية ١٠٨ ) .
(٥) اقتباس من الآية ٤٩ من سورة آل عمران المباركة .
(٦) سورة آل عمران : الآية ٤٩ .