الناس ، أو جمع المال والثروة ، وغير ذلك ممّا يناسب متطلبات القوى البهيمية ، وإنّك لا ترى مرتاضاً أو ساحراً يقوم بنشر منهج أخلاقي أو اجتماعي فيه إنقاذ البشر من الظلم والإضطهاد ، ويدعو إلى التقوى والعفة وما شابه .
والسبب في ذلك واضح ، فإنّ الأنبياء خريجوا مدرسة إلهية تزخر بالدعوة إلى الفضائل والإجتناب عن الرذائل ، فلا يقومون بالإعجاز إلّا لنشر أهداف مدرستهم . وأما غيرهم ، فهم خريجوا المدرسة المادية التي لا هَمَّ لها إلّا إرضاء ميولها الحيوانية ، وإشباع لذّاتها وشهواتها .
إنّ أصحاب المعاجز ـ باعتبار كونهم خريجي المدرسة الإلهية ـ متحلّون بأكمل الفضائل والأخلاق الإنسانية والمتصفح لسيرتهم لا يجد فيها أيّ عملٍ مشينٍ ومنافٍ للعفة ومكارم الأخلاق .
وأمّا أصحاب الرياضة والسحر ، فهم دونهم في ذلك ، بل تراهم غالباً متحللين عن المثل والفضائل والقيم .
* * *
فبهذه الضوابط الستّ يتمكن الإنسان من تمييز المعجزة عن غيرها من الخوارق ، والنبيِّ عن المرتاض والساحر ، والحق عن الباطل . وهذه المميزات ، وإن كانت تهدف إلى أمر واحد ، إلّا أنّها تختلف في الحيثيات :
فالأول منها يهدف إلى الفرق بين المعجزة وغيرها من حيث المبادىء .
والثاني إلى الفرق من حيث تحديد القدرة ، فقدرة السَحَرة في حدّ القدرة البشرية ، وقابلة للمعارضة ، بخلاف إعجاز الأنبياء .
والثالث إلى الفرق في كيفية الإتيان بالعمل ، فالمعجزة تقترن بالتحدّي دون غيرها .