إنّ ظهور مدّعي النبوّة في مجتمع أُمِّيٍّ ، لا يعرف الكتابة ، بعيد عن مظاهر الحضارة والتمدّن ، ومجيئَه بشريعة تحمل سمات مناقضة بالكليّة لهذا الظرف السائد ، قرينة على نبوّة هذا المدّعي .
فإنّ مجيء إنسان بشريعة تَحْمِلُ الدعوةَ إلى التعلّم ونبذ الأميّة ، وتشرّع القوانين الإجتماعية ، والإقتصادية بل تحمل في تعاليمها نظام الدولة والتقنين والقضاء والروابط السياسية ، أقول : إنّ إتيانه بهذه المظاهر الحضارية في مجتمع قبلي لم يسمع بشيء من تلك النظم ، لدليل على ارتباط هذا الإنسان بمبدءٍ أعلى ، غير خاضع لمقتضيات تلك البيئة . بل إنّ ظاهرة كهذه هي بحدّ نفسها نوع من الإعجاز وخروج عن المألوف .
من جملة القرائن التي ترشد إلى صدق المدّعي أو كذبه في دعواه ، مضمون العقيدة التي يحملها ، والدعوة التي يدعو إليها ، ومقدار التوافق بينهما .
فإذا كانت العقيدة التي يحملها ، والمعارف التي يدعو إلى اعتناقها ، معارف إلهية تبحث في خالق الكون وصفاته وأفعاله ، وكانت دعوته العملية مرشدةً إلى التحلّي بالمُثُل الأخلاقية ، والفضائل الإنسانية ، وناهيةً عن الرذائل النفسية وركوبِ الشهوات المنحرفة والفسقِ والمجونِ ، كانت هذه قرائن على اتصال دعوته بخالق الكون ، ومبدء الخير والجمال .
إنّ آية كون الدعوى إلهية ، لا يبتغي صاحبها شيئاً من الأعراض المادية ، والمناصب الدنيوية ، ثباتُه في طريق دعوته ، وتضحيته بنفسه وأعزّ أقربائه في ذاك السبيل .