وفي المقابل ، إنّ انهزامه أمام المصاعب ، وتعلّقه بحفظ حياته ، دليل عدم إيمانه بما يدعو إليه ، وبالتالي عدم ارتباط دعوته بمبدءٍ إلهي .
من القرائن التي تدلّ على صدق المدّعي في دعوى النُبوّة والسفارة الإلهية ، اعتماده في دعوته على أساليب إنسانية ، موافقة للفطرة والطهارة ، فإنّ لذلك دلالات على إلهية دعواه .
وأمّا لو اعتمد في نشر وتبليغ ما يدّعيه على وسائل إجرامية ، وأساليب وحشية غير إنسانية ، متمسكاً بقول ماكيافللي : « الغاية تبرر الوسائل » (١) ، كان هذا دليلاً على كون دعواه شخصية محضة ، لا صلة لها بالعالم الربوبي .
إنّ لنفسيات المؤمنين بمدّعي النبوة وحواريه ، دلالة خاصة على صدقه فيما يدّعيه ، وذلك أنّ أقرباء المدّعي وبطانته إذا آمنوا به ، واتّبعوا دعوته ، وبلغوا فيها مراتب عالية من التقوى والورع ، كان هذا دالّاً على صدق المدعي في ظاهره وباطنه ، وعدم التوائه وكذبه ، لأنّ الباطن لا يمكن أن يخفى عن الأقرباء والبطانة .
هذه القرائن وما يشابهها إذا اجتمعت في مدّعي النبوة ، ودعواه التي
__________________
(١) نيكولو ماكيافللي ( ١٤٦٩ ـ ١٥٢٧ ) . سياسي ومؤرخ إيطالي ، أحد أعلام عصر النهضة في أوروبا ، شارك في الحياة السياسية في إيطاليا ثم اعتزلها عام ( ١٥١٢ م ) متفرغاً للتأليف . وعرف في تاريخ الفكر السياسي بمؤلفه الشهير « الأمير » ، حيث أيّد فيه نظام الحكم المطلق ، وأحلّ فيه للحاكم اتّخاذ كل وسيلة تكفل استقرار حكمه واستمراره ، ولو كانت منافية للدين والأخلاق وذلك على أساس أن الغاية تبرر الوسيلة . ومن هنا صار لفظ « المكياڤللية » وصفاً لكل مذهب ينادي بأنّ الغاية تبرر الواسطة أو الوسيلة .
غير أنّ ماكياڤللي عاد في كتابه « المحاضرات » ، فأيّد النظام الجمهوري الذي يقوم على سيادة الشعب ، وعدد مزايا هذا النظام وفَضّله على النظام الملكي .