إن علماء الغرب قد بلغوا القمة في البحث عن هذه النظرية ، فبحثوا عن أدوات المعرفة ، حسيّها وعقليّها ، كما بحثوا عن قيمة العلوم الإِنسانية مضافاً إلى تحديد مجاري العلم والمعرفة ، فإن لهذه المباحث أثراً خاصا في الأبحاث الكلامية ورصد الحركات الإِلحادية ، ولم يزل الإلحاد يدب بين السذج من الشباب من هذه الطرق ، فمن قائل باختصاص أدوات المعرفة بالحس ، إلى قائل بلزوم الإِيمان بما تثبته التجربة ورفض غيرها ، إلى ثالث يحدّد معرفة العلوم الإنسانية بشؤون المادة وأعراضها ، ويركز على أن ما وراء المادة خارج عن مجال الإدراك الإنساني وأنّه ليس للإنسان فيها القضاء والإبرام نفياً وإثباتاً .
وهذه الأفكار الفلسفية ، أخطر على حياة الدين من الحملات العسكرية على كيان المسلمين .
إن التعلّل بمعرفة النفس أصبح في هذه الأزمان أداة طيّعة في يد الإلحاد ، خصوصاً الجامعيين المؤمنين بفروض « فرويد » ومنهجه فجعلوا علم النفس أساساً لإنكار الفطريات ، التي يقوم عليها دين التوحيد ، يقول سبحانه : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّـهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) (١) .
وقد عادت علاقة الدين بالانسان عندهم وليد الميول الجنسية للإِنسان ، بل أصبحت المعنويات عند أصحاب هذا المنهج ظاهرة طفولية ، واستبقاء لعلاقة الطفل في يوم عجزه ، بأُمه وأبيه ، فإذا كبر الانسان وأحس بعجز الأب والأُم تجاه الاخطار الكبرى مضى يبحث عن قوة أكبر وأقدر على حمايته تجاه الحوادث حتى يُحلَّها محل أبيه ، وهكذا نشأت عندهم فكرة الإِله .
فالعالم الكلامي الذي يريد الدفاع عن حياض الإِسلام والمسلمين لا
__________________
(١) سورة الروم : الآية ٣٠ .