قال سبحانه : ( ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ ، فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ ، وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ، وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ، ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) (١) .
القضاء : فَصْلُ الأمر . وضمير : « هُنّ » ، يرجع إلى السماء . وبما أنّ السماء كانت دُخاناً ، كان أمرها مبهماً غير مشخص من حيث الغاية والفعلية . ففصّل تعالى أمرها ، فجعلها سبع سماوات في يومين ، وأَخرجها بذلك عن الإبهام .
وأمّا قوله : ( وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ) ، فالمراد أنّه سبحانه أودع في كل سماء السنن والأنظمة الكونية ، وقدّر عليها دوامها .
فإذا كان إيجاد السنن والنُّظُم في بواطن السموات ومكامنها ، على وجه لا يقف عليه إلّا المتدبر في عالم الخلقة ، أشبه ذلك الإلقاءَ والإعلامَ بخفاء بنحو لا يقف عليه إلّا الملقى إليه ، وهو الوحي . فكان هذا كافياً في استعارة لفظ الوحي إلى مثل هذا التقدير والتكوين للسُنن ، فقال : ( وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ) .
ومن هذا القسم ، قوله تعالى : ( إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا ) (٢) .
قال سبحانه : ( وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا ، وَمِنَ الشَّجَرِ ، وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ ، فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ
__________________
(١) سورة فُصّلت : الآيتان ١١ و ١٢ .
(٢) سورة الزلزلة : الآيات ١ ـ ٥ .