ذُلُلًا . . . ) (١) .
فكُلُّ الأعمال العجيبة والمدهشة التي يقوم بها النحل ، في صنع بيوته بتلك الأشكال الهندسية المتقنة ، وإدارتها وتدبيرها وحراستها ، ثم الحركة الدؤوبة في التنقل بين البساتين والحقول ، ومصِّ رحيق الأزهار ، وتحويلها إلى عسل ، ثم إيداعها في صفائح الشهد ، وغير ذلك ، فإنّما يقوم به عن غريزة إلهية مودعة في مكامن خلقته ، وصميم وجوده ، لا يتوانى معها عن عمله ولا يختار معه عملاً آخر .
وحيث إنّ هذا الإيداع للغرائز في مكامن الخلقة أشبه بالإلقاء الخفي ، وتلقّي النحل له بلا شعور وإدراك ، أطلق عليه سبحانه الوحي فقال : ( وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ) .
قال سبحانه : ( وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ، فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) (٢) .
وحيث إنّ تفهيمَ أُمِّ موسى مصيرَ ولدها كانَ بإلهام وإعلام خَفي ، عبّر عنه بالوحي .
ومثله قوله تعالى : ( وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي . . . ) (٣) .
وأيضاً ، قوله تعالى في شأن يوسف عليه السلام : ( وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ) (٤) .
__________________
(١) سورة النحل : الآيتان ٦٨ و ٦٩ .
(٢) سورة القصص : الآية ٧ .
(٣) سورة المائدة : الآية ١١١ .
(٤) سورة يوسف : الآية ١٥ .