الْحَكِيمُ ) (١) .
وقد غلب استعمال الوحي في هذا القسم ، فكلما أُطلق الوحي وجُرِّد عن القرينة يراد منه ما يُلقى إلى الأنبياء من قِبَل الله تعالى .
إنّ الإدراكات العادية التي يحصّلها الإنسان عن طريق الحسّ أو عن طريق التفكر والإستدلال ، هي نتاج أدوات المعرفة الحسيّة والعقلية ، فإدراك المبصرات والمسموعات وغيرها ، رَهْنُ إعمال الحواس . كما أنّ الوقوف على الأُصول الفلسفية والعلمية ، نتاج إعمال الفكر والعقل ، فإنّ قولنا : « كلُّ ممكن ، فهو زوج تركيبي له ماهية ووجود » ، أو : « إنّ كلَّ معلولٍ يحتاج إلى علة » ، لم نقف عليه إلّا بالرياضات الفكرية ، وهكذا الحال في القوانين العلمية .
كما أنّ هناك إدراكات تنبع من صميم الذات ويطلق عليها الوجدانيات ، أو الفطريات . كإدراك حسن الأشياء وقبحها ، وإدراك الإنسان جوعه وعطشه ، فإنّ الجميع من ومضات الفطرة والغريزة ، ونظير ذلك ما يبدعه الذوق من الفنون والآداب والرسوم والأعمال اليدويَّة الظريفة ، فإنّها كلّها من وحي الذوق والغريزة إذا وقعت في إطار التربية والتوجيه .
وبالجملة ، فإنّ كلَّ ما يدركه الإنسان ، نتاجُ أدوات المعرفة بأشكالها المختلفة ، حسيّة كانت أو عقلية أو وُجدانية .
وأمّا الوحي الذي يختص به الأنبياء ، فإنّه إدراك خاص متميز عن سائر الإدراكات ، فإنّه ليس نتاج الحسّ ولا العقل ولا الغريزة ، وإنّما هو شعور خاص ، لا نعرف حقيقته ، يوجده الله سبحانه في الأنبياء . وهو شعور يغاير الشعور الفكري المشترك بين أفراد الإنسان عامة ، لا يغلط معه النبي في إدراكه ، ولا يشتبه ، ولا يختلجه شك ولا يعترضه ريب في أنّ الذي يوحي إليه هو الله
__________________
(١) سورة الشورى : الآية ٣ .