مناص له إلا التركيز على معرفة الإِنسان
، معرفة تامة ، بنفس الطرق التي يستعملها علماء النفس في معرفته . إن الإِنغرار بالعلم الحديث ـ مع
الاحترام التام للعلم وأهله ـ صار سببا لإِنكار المعاجز ، وخوارق العادات ، وتسرب الشك إلى الوحي والإِدراك الخارج عن إطار الحس والعقل ، كما تسرب الشك الى العصمة في الأنبياء ، وبكلمة قصيرة ، في أكثر ما يرجع إلى عالم الغيب والخارج عن الشهادة ، وصار هذا مبدء لنزوع كثيرة من الباحثين عن القرآن والسنة الى تأويل ما لا يلائم قوانين الشهادة . ولأجل أن يكون القارىء الكريم على بصيرة من اغترار هؤلاء بالعلم ، نذكر نماذج من أفكارهم . فهذا هو شيخ الأزهر محمد عبده ( ت
١٣٢٣ ) ـ وقد خدم الازهر بفكره وقلمه وورث عن أستاذه السيد جمال الدين الأسد آبادي ، أفكاره وآراءه ـ يؤول الآيات الدالة على إحياء الموتى في هذه النشأة ، تأويلاً يناسب روح العصر الإلحادي (١) . كما أنه بطبيعته العلمية يحاول أن
يفسر الملائكة بالقوى الطبيعية ، ومن المعلوم أنّ الحافز إلى هذا التوجه ليس إلّا الإغترار بالأساليب العلمية التجريبية
والخوف من المتدرعين بالعلم الحديث ، والإنهزام أمامهم . وإلّا فقد كان اللائق بشيخ الأزهر الصمود أمام التيارات الإلحادية وأن يقول ـ رافعاً عقيرته ـ إنّ أقصى ما للعلم من الحق هو الإثبات لا النفي ، فالعلوم التجريبية مهما بلغت من القمة ، ليس لها شأن إلّا تحليل الموجودات المادية فقط ، وأما نفي ما وراء الطبيعة وإنّه ليس هناك ملك ولا جن ولا وحي ولا لوح ولا قلم ، فلا شأن له فيه ، ولو تدخّل فيه فقد تطلع إلى ما هو أقصر منه . وهذا هو الأُستاذ الأكبر الشيخ
المراغي ، يرى أن التشريع الإِسلامي غير __________________ (١) ستقف على نماذج من تأويلاته في بحث المعاد من هذا
الجزء .الرابع : الغرور بالعلم