الصالح الذي يتميز بهذا النوع من النبوغ ، هو النبي . والفكر الصالح المترشح من مكامن عقله وومضات نبوغه هو الوحي . والقوانين التي يسنّها لصلاح الاجتماع هي الدين . والروح الأمين ( جبرائيل ) ، هو نفسه الطاهرة التي تفيض هذه الأفكار إلى مراكز إدراكه . والكتاب السماوي ، هو كتابه الذي يتضمن سننه وقوانينه . والملائكة التي تؤيّده في حلّه وترحاله ، هي القوى الطبيعية . والشيطان الذي يقاومه ويقاوم أتباعه هو النفس الأمّارة بالسّوء ، أو سائر القوى الحيوانية الداعية إلى الشرّ والفساد . ومع ذلك كلّه ، فالله سبحانه من وراء الجميع .
إنّ تفسير النبوة بالنبوغ ليس تفسيراً جديداً ، وإن صيغ في قالب علمي جديد ، فإنّ جذوره تمتد إلى عصر ظهور الإسلام حيث كان العرب الجاهليون يحسّون بجذبات القرآن وبلاغته الخلابة ، فينسبونه إلى الشعر الذي كان الحرفة الرائجة عندهم ، ويتبارز فيه النوابغ منهم ، فكانوا يقولون : ( بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ ) (١) .
ويرد عليهم القرآن الكريم بقوله : ( وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَّا تُؤْمِنُونَ ) (٢) .
وبقوله : ( وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ ، إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ ) (٣) .
ومع ذلك يلاحظ عليه :
أولاً : إنّ العودة إلى هذه النظرية ينبع من الإحساس بالصَّغار أمام الحضارة المادية المُدهشة ، المقترنة بأنواع الإكتشافات والإختراعات في مجال
__________________
(١) سورة الأنبياء : الآية ٥ .
(٢) سورة الحاقة : الآية ٤١ .
(٣) سورة يس : الآية ٦٩ .