« أنا لا أعمل شيئاً ، بل أسمع ، فأنقل ، فكأنّ إنساناً مجهولاً يناجيني في أذني » !! .
هذه خلاصة هذه النظرية وتاريخ نشأتها (١) ويمكن تحريرها بكلمتين :
الأولى : إنّ الشخصية الظاهرية العادية للإنسان ، أسيرة قواه الظاهرية ( الحواس الخمس ) .
الثانية : إنّ الشخصية الباطنة للإنسان إنّما تتجلى ، وتظهر آثارها ، إذا تعطّلت القوى الظاهرية ، وتخدّرت فعاليتها ، كما في حالات النوم العادي أو المغناطيسي .
ثم بلحاظ هاتين النكتتين ، يفسّر الوحي في الأنبياء ، فإنّ كل ما يحدثون به من التعاليم والإخبارات ليس إلّا إفاضات شخصياتهم الباطنة وإيحاءاتها عند تعطّل قواهم الظاهرية .
تحليل نظرية الشخصية الباطنة
إنّ هذا التفسير للوحي ـ الناتج عن الغرور العلمي وحصر جميع ما في الكون ضمن إطار الأُصول التجريبية ـ فاشل من جهات شتّى :
الجهة الأولى : إنّ الفرضية التي جاءت بها هذه النظرية ـ لو سلّمت ـ ليست دليلاً ولا برهاناً على كون خصوص الوحي عند الأنبياء من سنخ إفاضة الشخصية الباطنة وتجلّيها عند تعطّل القوى الظاهرية . بل قد تكون هذه الفرضية صحيحة ، ومع ذلك يكون للوحي في الأنبياء عاملاً إلهياً ، يفيض تلك المعارف والأُصول والإنباءات الغيبية إلى عقول الأنبياء وقلوبهم فيعرّفونها للبشر .
الجهة الثانية : إنّ الذي تفيده هذه النظرية ، هو أنّ الشخصية الباطنة للإنسان إنّما تتجلّى وتجد مجالاً للظهور بآثارها المختلفة ، عند تعطّل القُوى
__________________
(١) لاحظ فيما نقلناه ، دائرة معارف القرن الرابع عشر ، ج ١٠ ، ص ٧١٢ ـ ٧١٦ .