وعلى هذا ، فالعصمة ملكة نفسانية راسخة في النفس ، لها آثار خاصة كسائر الملكات النفسانية مثل الشجاعة والعفة والسخاء : فإنّ الإنسان إذا كان شجاعاً وصبوراً ، سخياً وباذلاً ، عفيفاً ونزيهاً ، تراه يتطلب في حياته معالي الأمور ، ويتجنب سفاسفها ، فيطرد عن نفسه الخوف والجُبْنَ والبُخْلَ والإمساكَ ، والقبائح والمساويء ، ولا ترى لها أثراً في حياته .
وهكذا نقول في العصمة ، فإنّ الإنسان إذا بلغ درجة قصوى من التقوى ، يصل إلى حدّ من الطهارة لا يُرى معه في حياته أثر من آثار المعصية والتمرّد على أوامر الله تعالى . وأما كيف تحصل فيه هذه الكيفية النفسانية ، فهو ما نبحثه في الوجه الثاني .
وعلى ما ذكرنا ، تنقسم العصمة إلى عصمة مطلقة وعصمة نسبية ، والأُولى تختص بطبقة خاصة من الناس ، والثانية تعمّ كثيراً منهم . فكم من الناس يتورعون عن السرقة والقتل ونحو ذينك ، وإن عُرضت عليهم المكافاۤت المادية الكبيرة ، وما ذلك إلّا لانتفاء الحوافز إلى هذه الأفاعيل ، في قرارة أنفسهم ، إمّا نتيجة للتقوى أو غيرها من العوامل . وتصديق العصمة النسبية الملموسة لنا ، يُقَرِّب تصوُّرَ العصمة المطلقة إلى الأذهان ، والتي هي كون الإنسان في مرتبة شديدة من التقوى تمنعه عن اقتراف جميع أنواع القبائح ، طُرّاً .
إنّ العلم القطعي بعواقب الأعمال
الخطيرة ، يخلق في نفس الإنسان وازعاً قوياً يصدُّه عن ارتكابها ، وأمثاله في الحياة كثيرة . فلو وقف أحدنا على أنّ في الأسلاك الكهربائية طاقة من شأنها أن تقتل من يمسّها عارية من دون عائق ، فإنّه يحجم من تلقاء نفسه عن مسّ تلك الأسلاك والإقتراب منها . ونظير ذلك ، الطبيب العارف بعواقب الأمراض وآثار الجراثيم ، فإنّه إذا صادف ماءً اغتسل فيه مصاب بالجُذام أو البَرَص ، أو إناءً شرب منه مصابٌ بالسِّلِّ ، لا يقدم على الإغتسال فيه أو شربه ، مهما اشتدت حاجته إليه ، لعلمه بما يَجُرّ عليه الشرب والإغتسال بذاك الماء الموبوء ، من الأمراض ، وقس على ذلك سائر العواقب