يوجب رميه في جوف هذا البركان الهائل ليبقى محبوساً في أحشائه مدة من الزمن يناله عذاب الحريق الرهيب ولا يموت . فهل يقدم إنسان يمتلك شيئاً من العقل على اقتراف هذا العمل ؟ .
يقول سبحانه : ( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ * انطَلِقُوا إِلَىٰ مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ * انطَلِقُوا إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ * لَّا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّـهَبِ * إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ ) (١) .
وعلى ضوء هذا البيان ، فشهود نتائج المعاصي وعواقبها ، شهوداً لا يُبقي في النفس أيَّ ريب وشك ، يصدُّ الإنسان عن اختيار ارتكابها ، صدّاً قاطعاً ، ومع ذلك لا يتنافى مع اختياره ولا يسلب حريته ، كما سيوافيك .
وإنّ هنا بياناً ثالثاً للعصمة لا يخالف البيانين السالفين ولبّ هذا البيان يرجع إلى أنّ استشعار عظمة الخالق والتفاني في معرفته ، وحُبِّه وعشقِه ، صادُّ عن سلوك ما يخالف رضاه ، وهذه الدرجة من الحبِّ والعشق ، أحد عوامل حصول تلك المرتبة من التقوى المتقدمة ، وهي لا تحصل إلّا للكاملين في المعرفة الإلهية .
إنّ الإنسان إذا عرف خالقه كمال المعرفة الميسورة ، واستغرق في شهود كماله وجماله وجلاله ، وجد في نفسه انجذاباً نحوه ، وتعلّقاً خاصاً به ، على نحو لا يستبدل برضاه شيئاً . ويدفعه شوق المحبة إلى أن لا يبتغي سواه ، ويصبح كل ما يخالف أمره ورضاه منفوراً لديه ، مقبوحاً في نظره أشدَّ القبح ، وتلك هي درجة العصمة الكاملة ، ولا ينالها إلّا الأَوْحَدِيُّ من الناس .
وإلى هذا يشير الإمام عليٍّ عليه السلام بقوله : « ما عبدتُك خوفاً من نارك ، ولا طمعاً في جنتك ، إنّما وجدتكَ أهلاً للعبادة فعبدتك » (٢) .
* * *
__________________
(١) سورة المرسلات : الآيات ٢٨ ـ ٣٣ .
(٢) حديث معروف مروي عن الإمام عليه السلام .