وأي عتب بعد هذا على الشيعة إذا اقتفوا في كلامهم أثر كتاب الله ، فوصفوا رُسُل الله وأنبياءه بما وصفهم به ربُّ الجلال والعزّة في كتابه .
ولا يمكن لأحد إنكار عناية الشيعة بتنزيهه سبحانه عن وصمة الحدوث والجسمية ، وأنبياءه عن وصمة الذَّنْب والخلاف . بل إنّك لن تجد في الأُمة الإسلامية طائفةً تهتم بالتنزيه والتقديس مثلَ الشيعة ، سواء فيما يرجع إلى الخالق عزّ وجل ، أو أنبيائه عليهم الصلاة والسلام .
* * *
اختلف المتكلمون في حدود عصمة الأنبياء على أقوال :
١ ـ قالت الأزارقة من الخوارج : يجوز على الأنبياء الكفر ، أخذاً بمبدئهم من أنّ كلّ ذنب كُفْرٌ (١) .
٢ ـ قالت الحشوية : « يجوز ارتكاب الكبائر على الأنبياء قبل البعثة وبعدها » . وتمسكوا في ذلك بأباطيل لا أصل لها (٢) .
٣ ـ والمعتزلة ، منهم من قال : « يجوز على الأنبياء الكبيرة قبل البعثة ولا يجوز بعدها » ، وهو أبو علي الجُبّائي . ومنهم من قال : « إنّ الأنبياء لا يجوز عليهم الكبيرة ، لا قبل البعثة ولا بعدها ، وتجوز عليهم الصغيرة إذا لم تكن
__________________
(١) المواقف ، ص ٣٥٩ ، ومن عجيب النِسَب ما عزاه القاضي الإيجي إلى الشيعة من تجويزهم إظهار الكفر من الأنبياء تقيةً ، ثم ردَّه بأنَّ ذلك يفضي إلى إخفاء الدعوة ، إذ أولى الأوقات بالتقية وقت الدعوة ، للضعف وكثرة المخالفين .
ولكنها فرية باطلة ، الشيعة منها براء ، فإنّ ذلك لا يجوز عندهم على الأنبياء ولا الأئمة بل لا يجوِّزونه لأعاظم الأمة من الفقهاء إذا كان في إظهار الكفر مظنة تزعزع عقائد الناس وتزلزلهم عن دينهم .
(٢) شرح الأصول الخمسة ، للقاضي عبد الجبار ، ص ٥٧٣ .