وناقصاً عن رتبته في باب التنفير ولأجل ذلك وجب أن لا يكون فيه شيء من التنفير ، لأنّ الشيئين قد يشتركان في التنفير ، وإن كان أحدهما أقوى من الآخر » (١) .
* * *
إنّ الهدف العام الذي بعث لأجله الأنبياء ، هو تزكية الناس وتربيتهم ، يقول سبحانه حاكياً عن لسان إبراهيم عليه السلام : ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ (٢) .
وإنّ التربية عن طريق الوعظ والإرشاد وإن كانت مؤثرةً ، إلّا أن تأثير التربية بالعمل أشدّ وأعمق وآكد . وذلك أنّ التطابق بين مرحلتي القول والفعل هو العامل الرئيسي في إذعان الآخرين بأحقيَّة تعاليم المُصلح والمربّي . ولو كان هناك انفكاك بينهما لانفض الناس من حوله ، وفقدت دعوته أي أثر في القلوب .
ولأجل ذلك يقول سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ، كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّـهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ (٣) .
ولذاك أيضاً ، نرى في الحِكَم أنّ العالِمَ إذا لم يعمل بعِلْمِه ، زَلَّت موعظتُه عن القلوب ، كما يَزِلُّ المطرُ عن الصفا (٤) .
وهذا الأصل التربوي يجرنا إلى القول بأنّ التربية الكاملة المتوخاة من بعثة الأنبياء ، وترسخها في نفوس المتربين ، لا تحصل إلّا بمطابقة أعمالهم لأقوالهم .
__________________
(١) تنزيه الأنبياء ، ص ٥ .
(٢) سورة البقرة : الآية ١٢٩ .
(٣) سورة الصف : الآيتان ٢ و ٣ .
(٤) لاحظ أصول الكافي ، ج ١ ، ص ٤٤ ، باب استعمال العلم ، الحديث ٣ .