ربما يتوهّم أنّ العصمة تسلب من المعصوم الحرية والإختيار ، وتقهره على ترك المعصية ، لتكون النتيجة انتفاء كلّ مكرمة ومحمدة ربما تنسب إليه لاجتنابه المعاصي والمآثم . وقد أُشير في أمالي السيد المرتضى إلى ما ذكرنا ، عند إيراد السؤال التالي :
« ما حقيقة العصمة التي يعتقد وجوبها للأنبياء والأئمة ، وهل هي معنى يضطرّ معه إلى الطاعة ، ويمنع عن المعصية ، فكيف يجوز الحمد لتارك المعصية ، والذمّ لفاعلها . وإن كان معنى يضاهي الإختيار ، فاذكروه ودلّوا على صحّة مطابقته له » (١) .
جوابه
إنّ العصمة لا تسلب الإختيار عن المعصوم بأيٍّ من التحاليل التي مضت ، ويتّضح ذلك بالنظر في العصمة النسبية المتحققة في العاديين من الناس ، فقد تقدم أنّ العالِم بوجود الطاقِة الكهربائية في الأسلاك العارية ، لا يمسّها ، والطبيب لا يشرب سؤر المجذومين والمسلولين ، لعلمهما بعواقب فعلهما . ومع ذلك ، فكل منهما ـ في حال اجتنابه عن الفعل ـ قادر على الفعل لو غضّ طرفه عن حياته وخاطر بها ، ولكنهما لا يقومان به لحبِّ كلٍّ منهما صحتَه وسلامته .
إنّ كلّ واحد من العملين المزبورين ممكن الصدور بالذات منهما ، غير أنّه ممتنع الصدور بالعرض والعادة ، لا ذاتاً وعقلاً ، وكم فرق بين المحالين . ففي المحال العادي يكون الصدور من الفاعل ممكناً بالذات ، غير أنّه يرجّح أحد الطرفين على الآخر بالدواعي الموجودة في ذهنه ، بخلاف الثاني ، فإنّ أصل الفعل ممتنع بذاته ، فلا يصدر لذلك ، لا لعدم الدواعي . وهذا نظير صدور القبيح من
__________________
(١) أمالي السيد المرتضى ، ج ٢ ، ص ٣٤٧ .