٤ ـ الضمير في قوله : ( بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ ﴾ ، يرجع إلى الرسول ، والمراد من الأول ما بَيْنه وبين الناس ، وهم المُرْسَلُ إليهم ، فإنّ النبي يواجه الناس ، وهم في مواجهته وبين يديه ، كما أنّ المراد من الثاني ، ما بين الرسول ومصدر الوحي الذي هو الله سبحانه . وإنّما عبّر بالخَلْفِ ، لأنّ النبي بُعث من الله إلى الناس ، فالله خَلْفَه والناس أمامه بهذا الإعتبار .
٥ ـ قوله : ( رَصَدًا ) الرصد هو الحارس الحافظ ، يطلق على الجمع والمفرد .
والتدبّر في مفاد الآية يثبت بأنّ الوحي مصون ومحفوظ من لدن إفاضته من الله سبحانه ، إلى وصوله إلى الناس ، فإنّها تَعْتَبر الوحي فيضاً متصلاً من المرسِل ( بالكسر ) إلى المرسَل إليهم .
إنّ الآية تصف طريق بلوغ الوحي إلى الرسل ، ومنهم إلى الناس ، بأنّه محروس بالحَفَظَة يمنعون تطرق أي خلل وانحراف فيه ، حتى يبلغ الناس كما أُنزل من الله تعالى . ويعلم هذا بوضوح مما تذكره الآية من أنّ الله سبحانه يجعل بين الرسول ومن أُرسل إليهم ( من بين يده ) وبَيْنَهُ ومصدرِ الوحي ( ومن خلفه ) ، رصداً مراقبين ، هم الملائكة . وليس الهدف من جعلهم في هذه المواضع إلّا الحفاظ على الوحي من كل تخليط وتشويش ، بالزيادة والنقصان ، التي ربما يقع النبي فيها من ناحية الشياطين بلا واسطة ، أو معها . فإذا كان الوحي بهذه المثابة من الحراسة والمصونية في كلا المرحلتين ، أعني المتقدمة ـ وهي من حين الإفاضة من المرسِل إلى حين البلوغ إلى النبي ـ والمتأخرة ـ وهي إبلاغه إلى الناس ـ كان كذلك فيما بينهما ، أعني مرحلة الحفظ والوعي ، فالنبي فيها مصون عن النسيان أو تدخل الواهمة لتغييره وتبديله . ولولا ذاك لما كان لحفظ الوحي بين يديه أيّ معنى .
ثم إنّه سبحانه يؤكّد ذلك بجملتين أُخريين :
الأُولى ، قوله : ( لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا
رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ ﴾ ، فإِنَّها
علّة لجعل الرصد بين يدي الرسول وخلفه . والمراد من العلم ، التحقق الخارجي ، على حدّ قوله سبحانه : ( . . . فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّـهُ الَّذِينَ صَدَقُوا
وَلَيَعْلَمَنَّ