الوظائف ، هي وظائف إلهية حقّاً ؟ أمّ أنّها مزيج من الأخطاء والإشتباهات ؟ وبأي دليل هو لا يخطيء في مجال الوحي ، إن كان يخطيء ويسهو في المجالَيْن الآخرَيْن ؟ » . وهذا الحديث النفسي والشعور الداخلي ، إذا تعمّق في أذهان الناس ، سوف يَسْلُب اعتمادهم على النبي ، وتنتفي بالتالي النتيجة المطلوبة من بعثه .
نعم إنّ التفكيك بين صيانة النبي في مجال الوحي ، وصيانته في سائر المجالات ، وإن كان أمراً ممكناً عقلاً ، لكنه كذلك بالنسبة إلى عقول الناضحين في الأبحاث الكلامية ، وأمّا عامة الناس ورعاعُهُم الذين يُشكِّلون أغلبية المجتمع ، فإنّهم غير قادرين على التفكيك بين تَيْنِك المرحلتين ، بل يجعلون السهو في إحداهما دليلاً على إمكان تسرُّب السهو إلى المرحلة الأُخرى .
فلا بدّ ـ لسدّ هذا الباب الذي ينافي الغاية المطلوبة من إرسال الرسل ـ من أن يكون النبي مصوناً عن الخطأ في عامة المراحل ، سواء في حقل الوحي أم تطبيق الشريعة أم في الأُمور الفردية والاجتماعية . وهذا الذي ذكرناه مقتضى الدليل العقلي القائم في المقام . والقرآن الكريم يدعم ذلك ببيان خاص ، نورده فيما يلي .
تستفاد عصمة الأنبياء عن الخطأ في مجال تطبيق الشريعة والأُمور الفردية من عدة من الآيات نكتفي في المقام بالبحث في آيتين منها . ولأجل توضيح دلالتهما ، نذكر كلا منها ، مع ما يرتبط بها من الآيات .
الآية الأولى ـ قال سبحانه : ( إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّـهُ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ) (١) .
وقال سبحانه أيضاً : ( وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن
__________________
(١) سورة النساء : الآية ١٠٥ .