قال : « هذا رأيي فيه ، فاصنعوا ما بدا لكم » (١) .
إنّ حلاوة القرآن كانت بمكانة ربما يؤثّر سماع آيتين أو أكثر في نفس السامع ، بحيث يخضع له وللجائي به غبّ سماعه منه ، ويرفض الوثنية ، وينخرط في صفوف الموحدين ، وينتظم في عدادهم ، وما ذاك إلّا لأنّه يجد من صميم ذاته أنّه كلام سماوي لا غير . ويدلّ على ذلك ما نسرده عليك من تاريخ دخول الخزرجيين في الإسلام .
كان بين الأوس والخزرج حروب طاحنة ، وكانوا لا يضعون السلاح لا بالليل ولا بالنهار ، وكانت آخر حرب سجلت بينهم يوم « بعاث » ، وكان النصر حليف الأوس على الخزرج ، ولأجل ذلك خرج أسعد بن زرارة وزكوان الخزرجيَّينْ ، إلى مكة في عمرة رجب ، يسألون الحلف على الأوس ، وكان أسعد بن زُرارة صديقاً لعتبة بن ربيعة ، فنزل عليه ، فقال له :
« إنّه كان بيننا وبين قومنا حرب ، وقد جئناكم نطلب الحلف عليهم » .
فقال عتبة : « بعدت دارنا عن داركم ، ولنا شغل لا نتفرغ لشيء » .
قال : « وما شغلكم وأنتم في قومكم وأمنكم » .
قال له عتبة : « خرج فينا رجل يدّعي أنّه رسول الله ، سَفّه أحلامنا ، وسَبّ آلهتنا ، وأفسد شبابنا ، وفرّق جماعتنا » .
فقال له أسعد : « من هو منكم » ؟ .
قال : « ابن عبد الله بن عبد المطلب ، من أوسطنا شرفاً ، وأعظمنا بيتاً » .
فلما سمع ذلك أَسعد ، قال : « فأين هو » ؟ .
__________________
(١) السيرة النبوية ، لابن هشام ، ج ١ ، ص ٢٩٣ ـ ٢٩٤ .