ألم تَغْتَمِض عيناك ليلة أرمدا |
وبت كما بات السليمُ مُسَهِّداً |
إلى أن قال :
نبياً يرى ما لا ترون ، وذكره |
أغار لعمري في البلاد وأنجدا |
|
فإياك والميتات لا تقربنها |
ولا تأْخُذَن سهماً حديدا لتفصدا |
|
وذا النُّصب المنصوبَ لا تنسكنَّه |
ولا تعبد الأوثان ، والله فاعبدا |
|
ولا تقربن حرّة كان سرُّها |
عليك حراما ، فانكحن أو تأبّدا |
|
وذار الرحم القربى فلا تقطعنّه |
لعاقبة ولا الأسير المقيّدا |
|
وسبّح على حين العشيات والضُحى |
ولا تحمد الشيطان والله فاحمدا |
فلما ورد الأعشى مكة ، اعترضه بعض المشركين من قريش فسأله عن أمره ، فأخبره أنّه جاء يريد رسول الله ليسلم فقال له : يا أبا بصير ، إنّه يحرّم الزنا .
فقال الأعشى : والله إن ذلك لأمر ما لي فيه أرب .
فقال له : يا أبا بصير ، فإنّه يحرّم الخمر .
فقال الأعشى : أمّا هذه فوالله إنّ في النفس منها لعلالات ، ولكني منصرف فأتروى منها عامي هذا ثم آتيه فأُسلم ، فانصرف . فمات في عامه ذلك ، ولم يعد إلى رسول الله (١) .
أدرك فُصحاء قريش وبُلَغاؤهم أنّ القرآن لا يشبه كلام الإنس ، وهو فوق كلامهم ، ولما كان مقتضى العجز ، اعتناق الدين الذي كان النبي يدعو إليه ، خدعوا عقولهم وعقول قومهم بتفسيره بالسحر ، بحجة أنّ السحر يفرّق ، والقرآن
__________________
(١) السيرة النبوية لابن هشام : ص ٣٨٦ . وأضاف الشهرستاني في كتابه « المعجزة الخالدة » ، ص ٢١ : واجتمعت عليه قريش لما سمعت بخبره وبمدحه النبي الأُمي في قصيدة دالية ، جاء بها ليجعلها تقدمة إيمانه وإذعانه ، وقالوا للأعشى : « إنْ أنشدته هذه القصيدة لم يقبلها منك » . ولم يزالوا يخدعونه ويمنعونه حتى سافر إلى اليمامة ، وقال : « أقضي أياماً هناك ثم أعود إليه » .