ورأوا أنّ الهزيمة في حلبة السباق معقودة بنواصيهم ، فما وجدوا مخلصاً لتعمية من يفد على مكة في أيام الحج من عرب الجزيرة إلّا بتفسيره بشيء ينطلي على طباع السُّفهاء وأذهان السذج من الناس ، وهو أنّه سحر والجائي به ساحر ، بحجة الإشتراك في الأثر .
وعلى ضوء ذلك تعود كلُّ الشرائع السماوية سحراً والأنبياء سحرة ، بحجة أنّهم كانوا يفرّقون بشرائعهم بين أفراد الأُمة الواحدة (١) .
وكيف يكون القرآن سحراً ، والسحر لا يبقى بعد موت الساحر ، ولا يؤثّر في أقوياء النفوس ، وها هو القرآن قد مَرَّ عليه حتى اليوم أربعة عشر قرناً ، ولما يزل غضّاً طرياً كما كان ، لم يتضاءل نوره وأثره بمرور الزمان ، وتوالي الأعقاب في الأحقاب ، كما خضع له أعاظم أهل الفكر والتعقل من البشر .
وقد عمد رؤساء قريش ، لإحباط تأثير القرآن الكريم ـ بعد أن رأوا أنّ الناس يدركون بفراستهم وفطنتهم أنّ للقرآن جاذبية غريبة لم يسبقه كلام في الحلاوة ، ولا حديث في العذوبة ، ولا عبارات في العمق ، يتقبّله كل قلب واع ، وتسكن إليه كل نفس مستعدة ـ عمدوا إلى تخطيط تدبير آخر ، ظنّا منهم بأنّ تنفيذه سيصرف الناس عنه ، ألا وهو معارضة القرآن الكريم ، بدعوة النضر بن الحارث ليسرد للناس أخبار ملوك الفرس وقصصهم وحكايتهم وأساطيرهم ، وما طلبوا منه القيام بهذا العمل إلّا ليلهي به الناس عن الإصغاء إلى القرآن الكريم .
فقام بهذا العمل ولكن كانت خطتهم ، خطة حمقاء إلى درجة أنّها لم تدم إلّا عدّة أيام ، لأنّ قريشاً سئمت من أحاديث النضر ، وتفرّقت عنه (٢) .
* * *
__________________
(١) قد ورد تفسير القرآن بالسحر ، والداعي بالساحر ، في عدّة آيات منها في الأول الصافات : الآية ١٥ ، الأحقاف : الآية ٧ ، سبأ : الآية ٤٣ . وفي الثاني : يونس : الآية ٣ ، ص : الآية ٤ .
(٢) لاحظ السيرة النبوية ، ج ١ ، ص ٣٠٠ و ٣٥٨ .