المسلك الثاني
في إثبات إعجاز القرآن
تحليل إعجاز القرآن الكريم
المتسالم عليه بين العلماء أنّ القرآن كتاب سماوي معجز ، لا يقدر الإنسان ـ مهما عظمت طاقاته ـ على الإتيان بمثله . ولكن عندما يُتَساءل عن سرّ إعجازه ، يتوقف الكثير منهم في ذلك ولا يأتون بكلمة شافية تغني السائل .
فمنهم من ذهب إلى أنّ شأن الإعجاز عجيب ، يُدْرَك ولا يمكن وصفه ، كاستقامة الوزن ، تُدرك ولا يمكن وصفها ، وكالملاحة . وأضافوا : « إنّ مدرك الإعجاز هو الذوق ليس إلّا ، وطريق اكتساب الذوق ، طول خدمة علمَيْ المعاني والبيان . نعم ، للبلاغة وجوه متلثمة ، وربما تيسرت إماطة اللثام عنها لتتجلى عليك . أمّا نفس الإعجاز ، فلا » (١) .
ومنهم من يحيل سبب الإعجاز إلى فرط الفصاحة والبلاغة ، من دون أن يشرح السبب ، ويطرحَ آيات من القرآن على منضدة التشريح ، ويقارنها بكلام من كلم فصحاء العرب وبلغائهم وأقصى ما عندهم هو التصديق بكونه معجزاً بحجة أنّ أساطين البلاغة وأساتذتها عجزوا عن الإتيان بمثله في عصر نزول القرآن . ولكن هذا دليل إقناعي ، ورجوع إلى أهل الخبرة .
إلّا أنّ هناك جماعة من المحققين لم يقنعوا بهذا القدر دون البحث عن حقيقة
__________________
(١) مفتاح العلوم ، للسكاكي ، قسم البيان ، ص ١٧٦ .