الفصاحة يوصف بها المفرد كما يوصف بها الكلام .
والفصاحة في المفرد عبارة عن خلوصه من تنافر الحروف ، والغرابة ، ومخالفة القياس اللغوي المستنبط من استقراء اللغة العربية .
وقد ذكر القوم للتنافر وجهاً أو وجوهاً ، والحق أنّه أمْر ذوقي ، وليس رهن قرب المخارج ، ولا بعدها دائماً .
وأمّا الفصاحة في الكلام ، فهي خلوصه من ضعف التأليف وتنافر الكلمات والتعقيد ، مع فصاحتها ، أي يشترط مضافاً إلى الشرائط المعتبرة في فصاحة المفرد ، الأُمور الثلاثة الواردة في صدر التعريف .
ثم إنّ التعقيد تارة يحصل بسبب خلل في نظم الكلام ، بمعنى تقديم ما حقّه التأخير وبالعكس ، وأُخرى بسبب بُعْد المناسبة بين المعنى اللغوي والمعنى الكنائي المقصود .
والمتكفل لبيان الخلل في النظم هو النحو . والمتكفل لبيان الخلل في الإنتقال هو علم البيان ، فبما أنّه علم يبحث فيه عن إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه وخفائه ، يشرح لنا التعقيد المعنوي ومراتبه ، فإنّ لكل معنى لوازم ، بعضها بلا واسطة ، وبعضها بواسطة ، فيمكن إيراده بعبارات مختلفة في الوضوح والخفاء (١) .
__________________
(١) وبعبارة أخرى : إنّ إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في الوضوح ، لا يتأتّى بالدلالة المطابقية ، لأنّ السامع إن كان عالماً بوضع الألفاظ ، لم يكن كل واحد منها دالاً عليه ، وإن كان عالماً لم يكن بعضها أوضح دلالة عليه من بعض آخر ، وإنّما يتأتّى في الدلالة العقلية ، لجواز أن تختلف مراتب اللزوم في الوضوح . ويتضح ذلك في الدلالة ، الإلتزامية مثل دلالة قولنا : « زيد كثير الرّماد » و « زيد جبان الكلب » ، و « زيد مهزول الفصيل » ، على لازمه ، أعني كون زيد جواداً . فالكلُّ يدلُّ على ذلك اللازم ، لكن يختلف في الوضوح والخفاء ، لقلة الوسائط أو كثرتها .
وبما أنّ الخفاء والوضوح في الإنتقال إلى المعنى
اللازم يتأتّى في الدلالة الإلتزامية ، انحصر المقصود من علم البيان في التشبيه والمجاز ، والكناية ، لكون المقصود من الجميع هناك هو
المعنى الخارج عن المدلول اللغوي للّفظ ، فالمراد من المجاز هو المعنى غير الموضوع له بادعاء كونه
من مصاديق