البلاغة في الكلام عبارة عن مطابقته لمقتضى الحال ، أي مطابقته للغرض الداعي إلى التكلم على وجه مخصوص . مثلاً : كون المخاطب منكراً للحكم ، حال يقتضي تأكيده ، والتأكيد مقتضى الحال . كما أنّ كون المخاطب مستعداً لقبول الحكم ، يقتضي كون الكلام عارياً عن التأكيد ، والإطلاق مقتضاها ، وهكذا في سائر الأبواب .
هذا كلّه مع لزوم اعتبار فصاحة الكلام في تحقق البلاغة ، فالبلاغة لها عمادان . أحدهما مطابقة الكلام لمقتضى الحال ، والثاني فصاحة الكلام .
وها هنا نكتة وهي أنّ القوم حصروا معنى البلاغة في هذا المعنى ، وحاصله كون عرض المعنى موافقاً للغرض الداعي إلى التكلم ( مع فصاحة الكلام ) ، وجعلوا للبلاغة بهذا المعنى طرفين :
أحدهما : أعلى ، وهو حدّ الإعجاز ، وهو أن يرتقي الكلام في بلاغته إلى أن يخرج عن طوق البشر ويعجزهم عن معارضته .
والثاني : ما لا يبلغ إلى هذا الحدّ .
ولكل واحد درجات ومراتب .
ولا يخفى أنّ جعل البلاغة بهذا المعنى ( أي العرض الصحيح المطابق للغرض ) لا يكون ركن الإعجاز وإن بلغ الكلام إلى نهاية الإتقان في العرض ، ما لم يضمّ إليه شيء آخر ، وهو إتقان المعاني وسمو المضامين . وإلّا فالمعاني المبتذلة ، والمضامين المتوفرة بين الناس إذا عرضت بشكل مطابق للغرض الداعي إلى التكلم ، لا يصير الكلام معها معجزاً خارقاً للعادة .
__________________
= الموضوع له ، كما أنّ المراد من الكناية هو المعنى المكنّى عنه لا المكنى به . وأمّا التشبيه فهو وإن كان خالياً عن الدلالة الالتزامية ، لكنه يبحث عنه مقدمة للإستعارة التي هي من أقسام المجاز .
وبذلك يعلم أن الأولى تقديم علم البيان على علم المعاني ، لكون الأول متكفّلاً بتفسير التعقيد المعنوي الدخل بالفصاحة ، وأمّا علم المعاني فهو يرجع إلى البلاغة ، كما سيظهر .